بورتريه

جاسيندا.. تتأرجح بين الغضب والحزن وتبحث عن إجابات

تعهدت أرديرن بتغطية كافة نفقات تشييع الضحايا- عربي21

رسمت مأساة يوم الجمعة الدامي في مدينة "كرايست تشيرتش" صورتها كسياسية قريبة من مواطنيها وعلى تماس مباشر مع قضاياهم وهمومهم.

تصف نفسها بأنها ديمقراطية اجتماعية وتقدمية، رغم أنها نشأت لعائلة مسيحية من طائفة المورمن، لكنها قاطعت الكنيسة فيما بعد لأنها، كما صرحت، تتعارض مع آرائها الشخصية، ووصفت نفسها فيما بعد بأنها "محايدة " دينيا.

بكلمات مسؤولة ونبرات صوتها المشبعة بالأسف بدت كسيدة تحظى بثقة شعبها ومؤسسات الدولة التي تمثلها.

قوية واثقة مما تقول ومما تفعل، لم تهتز أو تفقد توازنها وترتبك على وقع أبشع جريمة تشهدها بلادها.

بابتسامتها المعهودة وعفويتها قدمت نفسها أول مرة للعالم عبر مبنى الأمم المتحدة في نيويورك بوصفها أما مرضعا قبل أن تكون ممثلة لبلادها في المنظمة الدولية.

أبدت قدرا كبيرا من البساطة حين زارت "كرايست تشيرتش" التي شهدت هجوما إرهابيا على مسجدين أثناء صلاة الجمعة، والتقت ذوي الضحايا وممثلي المجتمع الإسلامي، وقدمت تعازيها في ضحايا الهجوم الذي خلف 58 شهيدا ونحو 40 مصابا.

ارتدت غطاء للرأس واتشحت بالسواد، إعرابا عن احترامها للمسلمين الذين يعيشون حالة حداد، وعانقت أقارب الضحايا واستمعت إلى آرائهم وحرصت على مواساتهم.

تصدرت جاسيندا أرديرن، المولودة في عام 1980 في هاملتون بنيوزيلندا لأب كان يعمل ضابط شرطة وأم كانت تعمل في مقصف مدرسة، اهتمام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منذ وصولها للسلطة، وكانت فترة حملها الأكثر إثارة للفضول، لتكون ثاني زعيمة منتخبة في العالم تلد وهي في السلطة، بعد رئيسة وزراء باكستان الراحلة بنازير بوتو.

تعرفت جاسيندا بعد تخرجها في جامعة "وايكاتو" في عام 2001  بتخصص دراسات الاتصال في السياسة والعلاقات العامة، على السياسة من خلال خالتها، ماري أرديرن، وهي عضوة قديمة في "حزب العمل" وقد قامت بتكليف المراهقة الصغيرة بمساعدتها في الحملات الانتخابية للنائب هاري داينهوفن خلال حملته لإعادة انتخابه في عام 1999.

عملت بعدها  كباحثة في مكتب رئيسة الوزراء النيوزيلندية هيلين كلارك، وعملت لاحقا في بريطانيا كمستشارة سياسية في وحدة للسياسات تتألف من 80 شخصا لدى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

ووفقا لمصادر عدة، فإنها لم تقابل بلير في لندن قط، لكنها فيما بعد استجوبته بشأن غزو العراق في مناسبة استضافتها نيوزيلندا في عام 2011، وكانت حينها نائبة في البرلمان النيوزيلندي. وفي إنجلترا أيضا عملت في وزارة الداخلية للمساعدة في مراجعة أعمال الشرطة في إنجلترا وويلز.

انتخبت عضوا في البرلمان النيوزيلندي لأول مرة في عام 2008، ثم انتخبت رئيسة للاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي في نفس العام وشغلت المنصب لما يقارب العشر سنوات.

وستتولى فيما بعد رئاسة "حزب العمل" النيوزيلندي، ورئاسة الحكومة في عام 2017 لتتوج بلقب أصغر رئيسة وزراء في نيوزيلندا بين رؤساء الوزراء الأربعين الذين تسلموا رئاسة الحكومة النيوزيلندية.

 

اقرأ أيضا: التايمز: كيف أصبحت أرديرن وجه العطف والرحمة عالميا؟

ببطاقة مرور أمني مسجل عليها "طفلة نيوزيلندا الأولى"، دخلت ابنتها البالغة من العمر ثلاثة أشهر أروقة وقاعات الأمم المتحدة لأول مرة.

وكان أول ظهور إعلامي لرئيسة وزراء نيوزيلندا أمام زعماء العالم في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي ليس بوصفها سياسية جديدة على الساحة الدولية وإنما بكونها أما مرضعا.

أرديرن كانت تلقي كلمة بلادها في قمة بالجمعية العامة بينما كان والد الطفلة مقدم البرامج التلفزيوني  كلارك غيفورد، والذي يتفرغ لرعايتها، يجلس ضمن وفد نيوزيلندا وقد حمل الطفلة بينما كانت شريكته تلقي كلمتها.

وصول أرديرن لرئاسة الوزراء، ورئاسة "حزب العمال" كان بناء على شعبية كبيرة حظيت بها، وشبهها كثيرون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.

لم تسلم أرديرن في بعض الأحيان من شكوك المنتقدين الذين قالوا إن شهرتها قناع يخفي وراءه ضحالة وعجزا.

إلا أن موقفها خلال الهجوم الإرهابي الأخير أظهر قوتها وعزمها على الحفاظ على "قيم التسامح والأخوة، واحترام الاختلاف" الذي تتميز به بلادها، بحسب قولها.

بدت أرديرن قوية ومتماسكة لم تهزها الفجيعة فأظهرت تعاطفها مع مسلمي بلادها، ووضعت أكاليل من الزهور قرب المسجد، وانضم إليها كثير من النيوزيلنديين الذين عبروا عن كثير من التعاطف مع عائلات الضحايا والمصابين، وإدانة ما أقدم عليه الإرهابي الأسترالي.

رسمت لنفسها صورة السياسية القوية التي لا ترضخ للعنف، مؤكدة أنها تعمل على توفير بيئة آمنة للمسلمين في مساجد نيوزيلندا وعلى حق الجميع في الوصول إلى أماكن العبادة بأمان.

ووعدت بتخصيص موظفين لمساعدة العائلات المنكوبة يتحدثون لغات الضحايا بطلاقة. كما أنها تعهدت بتغطية نفقات الجنازات من قبل الدولة، ونقل جثامين الضحايا إلى بلدانهم الأصلية، والتأكد من تماشي هذه الإجراءات مع القيم الإسلامية دون الإخلال بمحاذير الطب الشرعي.

ووقفت بلادها دقيقتي صمت في الذكرى الأسبوعية لمجزرة المسجدين، إضافة إلى بث الأذان على الهواء مباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون الوطنيين، كما حدث بعد مصرع 29 شخصا في انفجار منجم بايك ريفر غرب البلاد في عام 2010.

وتمنح أرديرن الأشياء أسماءها الصحيحة؛ فهي تصف ما جرى بـ"المذبحة" وصرحت بأن الأيديولوجية التي حملها منفذ الهجوم أيديولوجية مدانة ومرفوضة.

واعترفت أرديرن بأن هناك أقلية في نيوزيلندا تتشارك أيديولوجية منفذ المجزرة نفسها رغم أنه مواطن أسترالي، مشددة على أن السلطات ستتحمل مسؤوليتها لحفظ سمعة نيوزيلندا بصفتها أمة مسالمة جامعة لكل الفئات.

وأوضحت أنها أطلقت وصف "الإرهابي" على المهاجم منذ اللحظة الأولى، لأن ما قام به عمل إرهابي مباشر متعمد على المسلمين في البلاد.

وأشارت إلى أن حكومتها ستعدل قوانين حيازة السلاح، لأن هناك ثغرات فيها استغلت لتنفيذ مجزرة المسجدين، وأضافت أن من يملكون الأسلحة لأغراض شرعية في نيوزيلندا سيدعمون تعديل هذه القوانين.

"نحن في نيوزيلندا نتأرجح بين الغضب والحزن اللذين لم نشهدهما من قبل.. ونبحث عن إجابات"، كانت هذه هي الكلمات الأخيرة للمؤتمر الصحافي الشجاع والمسؤول الذي قدمته رئيسة الوزراء الشابة التي تقول إنها تعبر عن "القيم النيوزيلندية".

الرجال والنساء يعرفون في المواقف الصعبة، والعالم تعرف على سياسية من نمط مختلف تعمل على تضميد جراح شعبها.