أفكَار

المعلوم من الدين بالضرورة.. هل بات أداة لقمع دعاة التجديد؟

مصطلح "المعلوم من الدين بالضرورة".. حين يتحول إلى عائق أمام التجديد

تواجه محاولات إعادة قراءة التراث الإسلامي مجموعة من الصعوبات، ليس فقط بسبب تطورات المناهج البحثية والنقدية علاوة عن طبيعة الحياة، وإنما أيضا بسبب ما يُعرف في الدراسات الفقهية بـ "المعلوم من الدين بالضرورة".

يُسارع علماء ودعاة إسلاميون إلى إشهار مصطلح "معلوم من الدين بالضرورة" في مواجهتهم لدعوات تطالب بمراجعة بعض مقررات التراث الإسلامي، وإخضاعها لقراءات نقدية تحررها من هالة القداسة والتعظيم التي رفعتها إلى مقام أصول الدين وقطعياته بحسب باحثين.

التباس المفهوم

ووفقا لباحثين يتبنون دعوات مراجعة التراث وقراءاته من جديد بعقلية نقدية، فإن مقولة "معلوم من الدين بالضرورة" لم تكن معروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد الصحابة، وليس لها مفهوم محدد منضبط، وقد تباينت تعريفات العلماء لها واضطربت كثيرا.

ويذهب الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، أسامة فاخوري إلى وصف هذه المقولة بالمستحدثة، شأنها شأن كلمة "زنديق" غير عربية الأصل كما ذكر ذلك بعض العلماء المتقدمين كثعلب والسجستاني وابن حجر العسقلاني.

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "هذه الجملة ليست منضبطة، ولا شرعية دينية لها أساسا، بل هي حيلة أوجدها من لا يستطيع الرد على مخالفة، فمثلا لو قال أحدهم عاشوراء ليست من الدين، فستجد تهمة "أنكر معلوما من الدين بالضرورة" تقذف في وجهه على الفور، لعدم القدرة على الرد والحوار مع صاحب الفكرة، أيا كانت تلك الفكرة" على حد قوله.

 

"المعلوم من الدين بالضرورة" ليست منضبطة، ولا شرعية دينية لها أساسا

ورجح فاخوري بداية تشكل تلك المقولة إلى العصر العثماني، خاصة عندما استقر عهد التقليد والجمود، نافيا وجودها في كتب الأئمة السابقين، فضلا عن وجودها في عصر النبي عليه الصلاة والسلام، أو الصحابة، أو زمن ترسيخ الفقه الإسلامي وقواعده الأصولية.
 
وتساءل فاخوري: "كيف ترتقي تلك المقولة إلى مصاف قواعد الدين المعيارية مع عدم وجود معنى محدد لها، واختلاف الفرق والطوائف في ذلك اختلافا كبيرا"، ممثلا بأن الشيعة الإمامية تعتبر عصمة الأئمة معلوما من الدين بالضرورة، وهو ما يخالفهم فيه أهل السنة، وعدالة الصحابة تعتبر معلوما من الدين بالضرورة وهو ما يخالفهم فيه الشيعة، وهكذا الحال في كثير من القضايا والمسائل عن سائر  الفرق والطوائف الإسلامية.
 
وفي السياق ذاته لفت الباحث المصري، حسام الدين عوض إلى أنه من خلال بحثه ودراسته "لم يجد تعريفا علميا متماسكا منضبطا لهذه المقولة، تجمع عليه طوائف أهل الإسلام بلا نزاع بينهم، بل وجد المسألة غائمة تماما".
 
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أستطيع أن أزعم أنك لو سألت عشرة من كبار فقهاء المسلمين عن حد ذلك "المعلوم" لأجابوك ربما بعشرة إجابات مختلفة، فبعضهم يحدها بأركان الإسلام الخمسة، وبعضهم بأركان الإيمان الستة، وبعضهم يضيف تحريم الخمر والخنزير، والربا والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، وهكذا يتوسع بعضهم إلى حد ضم جميع نصوص القرآن قطعية الدلالة في هذا المعلوم بحسب فهمهم لمفهوم القطعي المختلف فيه هو الآخر".
 
من جهته أوضح الداعية والباحث الشرعي، الدكتور معاذ سعيد حوّى أن مفهوم "المعلوم من الدين بالضرورة" منضبط ومحدد عند جماهير علماء أهل السنة، فهم يعرفونه بقولهم "ما كان قطعيا أو ما كان مجمعا عليه، أو ما لا يسع المسلم جهله".
 
محل إجماع أهل السنة

وردا على سؤال لـ "عربي21": هل المسائل الدينية التي ينطبق عليها وصف "معلوم من الدين بالضرورة" محددة العدد عند مختلف المذاهب الإسلامية؟ قال حوّى: "نعم هي كذلك، وهي ما لا يسع المجتهد الإجتهاد فيها لظهور أدلتها وقطعية دلالتها، وهي محل إجماع كافة المذاهب السنية، ولسنا معنيين بما يقرره الشيعة في مذاهبهم هنا".
 
وأورد أمثلة لذلك كأركان الإسلام الخمس، وأركان الإيمان الستة، وأصول المحرمات المجمع عليها كالخمر وأكل الخنزير، والربا"، مبينا أن حد المعلوم وضابطه هو ما علمه الخاص والعام من وجوب مسائل بعينها، أو تحريم أشياء بعينها من غير أن ينازع في هذا أحد من المسلمين، أو يقع فيه خلاف بين أهل العلم.

 

كثير من المصطلحات المقررة في كتب الفقه والحديث لم يكن لها ذكر في العصور السابقة

وانتقد حوّى ما يقوله بعض الباحثين المعاصرين من أنهم لم يجدوا تلك المقولة في عصر النبوة ولا الصحابة ولا التابعين ولا في كتب العلماء السابقين، لافتا إلى أن كثيرا من المصطلحات المقررة في كتب الفقه والحديث لم يكن لها ذكر في العصور السابقة، كتقسيم الفروض إلى عينية وكفائية وما إلى ذلك، فالعبرة بالمضامين المتفق عليها لا بالأسماء والمصطلحات.
 
بدوره أوضح المدرس بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة، الدكتور اليماني الفخراني أن "ثمة مصطلحات كثيرة في التراث الإسلامي، مليئة بالحقائق والأوهام، منها مصطلح "معلوم من الدين بالضرورة" الذي لا يعلم على وجه التحديد تاريخ نشأته، ولا أول من أبدعه واستخدمه".
 
وأردف قائلا لـ"عربي21": "لا يعنينا كثيرا تاريخ نشأة هذا المصطلح خاصة أنه لم يرد في القرآن أو السنة أو على لسان الصحابة، وكما لا يعلم تاريخ نشأته ولا يوجد من تتبع ذلك، فقد وقع اختلاف حول تحديد مضمونه".

وأضاف: "لكن لا إشكالية في تحديد مضمونه إذا سلمت البيئة الثقافية والعلمية التي يتم تداوله فيها"، ذاكرا أنه "ما دام وقع الاختلاف حول مضمونه فهو من المفاهيم النسبية التي لا إنكار على القضايا المختلف فيها، فكل إنسان له قدر من المعلومات يؤمن بها ، ويدافع عنها، ولا يقبل الجدال حولها، فهذا شأنه واختياره".
 
وختم الفخراني حديثه بالإشارة إلى أن "المشكلة تكمن فيما إذا حاول كل طرف أو اتجاه محاكمة فكر الآخرين بالاستناد إلى ما تقرر لديه باعتباره من "المعلوم من الدين بالضرورة"، وبالتالي إصدار أحكام بناء على تلك المقررات، وما يتبع ذلك من آراء ومواقف".  

 

إقرأ أيضا: إلى المطالبين بمساواة الرجل والمرأة في الميراث