كتاب عربي 21

حكم الشخر وحجاب حلا!

1300x600
الشيخ أحمد المالكي، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، يحسم الجدل حول الشخر، ويقول إنه ليس حراما، ولا ينجس الفم، ولا يمتنع قبول صلاة الشاخر، كما يزعم العامة.. الاعتقاد بكل ما سبق، هو عين ما تربينا عليه جميعا في حواري المحروسة، وما يصدقه أغلب المصريين دون سؤال عن كيف ولماذا وما الدليل، وما الذي يجعل من صوت يصدر من خيشوم المصري الأصيل مصيبة سوداء تصيبه في دينه ودنياه وعاقبة أمره ومعاده.. كل هذا من أجل شخرة؟

تسببت فتوى المالكي، الشيخ، وليس صاحب محلات الأرز باللبن والمكسرات، بصدمة، ليست كبيرة، في صفوف الشاخرين الذين تعودوا على مخالفة النص "الاجتماعي"، مع التأثم، وأحيانا الامتناع عن الصلاة، فهي غير مقبولة "كده كده"، بالإضافة إلى اشمئزازهم من أنفسهم؛ لأنهم يمشون بفم لا تنقطع عنه النجاسة قط، إلا أن فرحة المصريين عامة، والسكندريين منهم خاصة، بفتوى الشخر الحلال، جعلتهم يتجاوزون الصدمة إلى الاحتفال بنظافة أفواههم وأفواه آبائهم وأجدادهم طوال سبعة آلاف سنة من الشخر على غير بينة شرعية...

في الأسبوع نفسه تصدمنا الفنانة المعتزلة حلا شيحة بقرار خلع النقاب والحجاب، والعودة إلى التمثيل، وهو القرار الذي تسبب في عصاب ديني وعقدي وأخلاقي واجتماعي وعشائري جماعي.. مأساة كبرى على مواقع التواصل، بكاء وعويل وصراخ وحالات إغماء.. أحدهم، وهو من مشايخ الفضائيات، بكى كالنساء، في بث مباشر ومفاجئ من سيارته، على صفحته.. بكى الشيخ بكاء مريرا، ليس على قصف غزة، ووفاة أم وطفلتها التي لم تتجاوز العام والنصف، وإصابة ثمانية عشر آخرين، وليس على قصف السعودية لحافلة في اليمن، في اليوم نفسه، وقتلها ضعف ما قتلت اسرائيل، وإصابتها لثلاثين طفلا، إنما يبكي الشيخ على حلا، وحجاب حلا، ونقاب حلا، وزوج حلا، وتيفون زوج حلا.. الجميع يبكي ردة حلا عن طرحتها.. فاللهم ردها إلى طرحتها ردا جميلا، وقنا يارب شر فتنة الفساتين والبلوزات والبنطلونات الجينز...

العقل العربي منهك بالكلام الفارغ، والقضايا الفارغة، والمعارك الفارغة. غابت كل القراءات لصالح قراءة واحدة تكرس للانشغال باللاشيء، مع الوقت تتحول حياة أمة بأكملها إلى اللاشيء، يتجادلون في اللاشيء، يتعاركون حول اللاشيء، يتبغاضون من أجل اللاشيء، ويجاهدون في سبيل اللا شيء، ويتركون لحكامهم؛ داعمي اللاشيء فيهم، كل شيء.

تحجبت حلا فانتصر الإسلام، خلعت، فانخلع ضرس العقيدة، وبات الجميع ينادون ويتوسلون ويبررون، بل ويخوضون في سيرة حلا وعرضها وسابق إيمانها، ويعايرونها بما قدموا لها من مساندة نفسية لم تصنها وذهبت إلى معسكر السافرات؛ بتدبير شيطاني هو طريقها إلى النار التي حاولت الفضليات العفيفات الطاهرات الشريفات، المنتقبات طبعا، إنقاذها منها، لكنها أبت!

لو أنك غير مسلم، وتتابع هذا المشهد من الخارج، وترصد اهتمام فئة من البشر، بالملايين، لا يتمتعون بالحد الأدنى من أي مقوم من مقومات الحياة والعيش الكريم فإذا بهم يتركون كل ما وضعهم فيه حكامهم وناهبيهم وساجنيهم وقاتليهم ليفرغوا لطرحة واحدة منهم باعتبارها الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، الجنة والنار، النعيم والعذاب، والحق والباطل.. فكيف ستراهم؟ كيف ترى عقائدهم ودينهم؟ مبنى ما يؤمنون به ومعناه؟ فلسفة وجودهم كله؟ هل يمكن أن تحترم قوما بهذا المستوى، هذه قضاياهم، هذا ما يشغلهم، هذا ما يبكيهم ويقض مضاجعهم، هذا ما يعذبهم في الدنيا قبل الآخرة؟!

هذا التدين الورقي، العبثي، العشوائي، الغوغائي، الذي صنعناه بهرم أولويات مقلوب، واختيارات مرضية من تراثنا فقهي شائخ، وتخليق قضايا وهمية من الخواء والعدم لشغل الناس عن مآسيهم الحقيقية، وتورط من يسمون أنفسهم بالعلماء والمشايخ ورجال الدين في ذلك، ومسايرتهم للناس فيه.. كل هذا وغيره خلق هذا الجيل من البائسين والبائسات الذين يولولون الآن على السوشال ميديا.. شكرا للشيخ الأزهري الذي لم يحرمنا حق الشخر.