قضايا وآراء

الاقتصاد اليمني: وديعة سعودية تقابلها حرب حوثية إماراتية

1300x600
بعد إعراض طويل، استجابت المملكة العربية السعودية لدعوات الرئيس هادي ورئيس حكومته لإنقاذ الاقتصاد اليمني، وانتشال العملة من الانهيار. فقدمت مبلغ ملياري دولار كوديعة في البنك المركزي، ليشكل هذا المبلغ أول احتياطي للمركزي اليمني منذ انتقاله إلى عدن في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.

وبينما شكلت هذه الوديعة إنقاذا جزئيا للعملة اليمنية، إلا أنها لا تجدي نفعا في ظل استمرار الحرب، سواء الحرب مع الحوثيين، أو تلك الحرب المغلفة في ثياب المنقذ، والتي تواجهها الحكومة من دولة الإمارات وخلاياها النشطة في اليمن.

فاستمرار تلك الحروب، وعدم وجود مؤشرات لانتهائها، لن تتمكن الحكومة اليمنية من تقديم أي معالجات لإصلاح اقتصادها، أو المحافظة على عملتها من انهيارات قادمة.

في الماضي، كان خبراء الاقتصاد، ومعهم الحكومة اليمنية، يعزون الانهيار الاقتصادي في اليمن إلى وجود جماعة الانقلاب التي استولت على السلطة بالقوة، ونهبت احتياطيات البنك المركزي التي تقدر بأكثر من أربعة مليارات دولار، وقادت البلاد إلى حرب كارثية. غير أن تلك الأسباب، وإن كانت حقيقية، إلا أنها لم تعد مقبولة اليوم، خاصة بعد عملية نقل البنك المركزي إلى عدن

وتتعرض الحكومة اليمنية من قبل التحالف العربي لحرب هي أشد قسوة من الحرب التي تتعرض لها من قبل الحوثيين، فإذا كان الحوثيون نهبوا البنك المركزي قبل ثلاث سنوات، واستولوا على مؤسسات الدولة، فإن التحالف (تحت مظلة حربه على الحوثيين) جرع الحكومة أقسى أنواع العذاب.

فالحصار الاقتصادي الخانق الذي أطبقه التحالف على اليمن برا وبحرا وجوا؛ لم يكن المقصود به الحوثيون، بقدر ما هو موجه بشكل رئيس للحكومة الشرعية. ربما تأثر الحوثي نوعا ما من ذلك الحصار، لكن الحكومة الشرعية هي المتأثر الأكبر كونها المعنية بالشعب اليمني كله في كل المحافظات.

ومع أن التحالف العربي استطاع مع الجيش الوطني تحرير كثير من المحافظات، إلا أن تلك المحافظات لا زالت إلى اليوم واقعة تحت حصار مطبق، لم تستطع فكاكا منه رغم تحررها.

ومع ما يبذله رئيس الحكومة من جهود، إلا أنه لم يستطع استعادة ثقة المواطنين بالحكومة؛ نظرا للقيود التي كبلتها بها دول التحالف، والتعسف الأعمى الذي يتعرض له المسؤولون الحكوميون في مؤسساتهم من قبل خلايا الإمارات المنتشرة في كل مؤسسات الدولة، والتي تعمل للحيلولة دون قيام الحكومة بمهامها. وكيف لحكومة يمارس عليها التحالف العربي ألوانا من الحروب أن تنقذ اقتصاد من التدهور، أو تحافظ على عملة من الانهيار؟

فالتحالف العربي لا زال إلى اليوم يمارس على الحكومة ضغوطات، ويمنعها من إنتاج وتصدير المشتقات النفطية، مع أنه يعلم أن اقتصاد اليمن كله قائم على عمليات تصدير وبيع النفط والغاز.

إن منع الحكومة من القيام بعمليات إنتاج وتصدير النفط والغاز، واستهداف التحالف لوسائل الإنتاج الخاصة والعامة، وتدميره للبنية التحية، أدى إلى عجز الحكومة عن تقديم أبسط الحقوق لمواطنيها، كعملية تعويضية تقيهم من فقر مدقع ومجاعة محدقة.

ولم يعد خافيا ما تواجهه الحكومة من حرب من قبل التحالف. فالإمارات التي ما فتئت ترسم ملامح دولة جديدة في الجنوب اليمني تسعى لإفشال الحكومة بكل الطرق، لتتخذ من فشلها مطية لتحقيق أجنداتها، وهو ما بدا جليا بعد تقديم المملكة وديعتها في البنك المركزي، حيث وجهت خلاياها ببدء المعركة الحاسمة لإسقاط الحكومة وشرعية هادي.

ولعل التهديد الذي أطلقه عيدروس الزبيدي، رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي؛ التابع للإمارات للرئيس هادي، وإمهاله أسبوعا للإطاحة بحكومة بن دغر، يعد تطورا واضحا للحرب بين الحكومة والإمارات.

ومن هنا يمكن القول إن الوديعة السعودية لن تجدي نفعا في ظل همجية الحرب الإماراتية على الحكومة والشرعية، ما لم تتدخل المملكة للتصدي لتلك الحرب، ووضع حد لجرائم الإمارات بحق اليمنيين.

وإلا فما فائدة أن تضع المملكة وديعتها ثم تطلق العنان للإمارات لممارسة حرب إفشال للحكومة؟! وما جدوى أن يكون هنالك وديعة فيما تدفع الإمارات بخلاياها للمتاجرة بالعملة، والإمعان في مواجهة الحكومة؟ وأنى للاقتصاد اليمني أن يستقيم؛ والإمارات تتحكم في الموانئ البرية والبحرية والجوية، وتمنع وصول السفن التجارية إلى موانئ عدن لإفراغ حمولاتها، بينما يتم الاتفاق مع الأمريكيين لتطوير ميناء الحديدة التي تحت إدارة الحوثيين؟

أسئلة تحتاج من المملكة الإجابة عنها. أما الحكومة الشرعية، فقد أوضحت في أكثر من مناسبة أنها تتلقى صفعات تلو الصفعات من التحالف، ما يمنعها حتى من الإجابة أو الحديث عن هكذا أسئلة.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بإعلان موازنتها للعام 2018 بالاتكاء على الوديعة السعودية، إلا أنها تخلت فيها عن كثير من استحقاقاتها كحكومة يجب أن تضع يدها على كل مفاصل الدولة، كما تخلت أيضا عن واجباتها تجاه المواطنين.

ففي تقدير، أمام الحكومة بدائل كثيرة يمكنها من خلالها زيادة حجم الموازنة، وتمويل عجزها، ومواجهة متطلبات بناء الدولة، من إنعاش لاقتصاد، وتطبيع الأوضاع، ودفع مرتبات الموظفين في كل المحافظات، بما في ذلك إعادة الإعمار أيضا، إذا ما أتاح لها التحالف ذلك، وتحررت من قيوده المكبلة لها، منها:

- إنعاش القطاع النفطي، وإعادة تفعيل عمليات إنتاج وتصدير المشتقات النفطية، فالاقتصاد اليمني في السابق كان مرتكزا بشكل أساس على عمليات إنتاج وتصدير النفط والغاز. وبمقدور الحكومة القيام بذلك، خاصة وأن كل مناطق إنتاج النفط والغاز وموانئ التصدير واقعة ضمن المدن المحررة وتحت سيطرة الحكومة، وإن كانت كلمة رئيس الحكومة أثناء إقرار الموازنة أكد وقوف التحالف وراء منع الانتاج النفطي.

- تشغيل الموانئ اليمنية الواقعة في المدن المحررة بكامل طاقتها، وإزاحة العراقيل التي تؤدي إلى منعها عن استقبال السفن التجارية، خاصة وقد تداولت الأخبتر عن وجود أكثر من 13 سفينة في البحر منعتها القوات الإماراتية من الوصول إلى ميناء عدن.

- أثبتت الأيام عدم فاعلية البنك المركزي، وفشله الذريع في رسم السياسات النقدية، والرقابة على البنوك والمصارف، وإدراة حسابات الحكومة في الداخل والخارج، الأمر الذي يتطلب معه إجراء تغييرات في قياداته، واختيار قيادات مؤهلة، تستطيع التعاطي مع عملية نقل البنك من صنعاء إلى عدن، وما صاحبها من تغيير.

- التركيز على تنمية الموارد المهدورة، وتحسين الأوعية الإيرادية من جمارك وضرائب وزكاة، واجتثاث الفساد في هذه المرافق ممن لا زالوا يستقون أوامرهم وتوجيهاتهم من خلايا الانفصال التابع للإمارات.

- الحد من التعيينات الجديدة في الوظائف الحكومية، فالجهاز الإداري الجديد للدول الذي تشكل خلال الفترة الماضية في الرياض، في مؤسسات وهمية، يشكل عبئا حقيقيا على الاقتصاد الوطني، خاصة وأن كثيرا من المعينين الجدد ينطلقون من وظائفهم الجديدة لمحاربة الحكومة وتشويه سمعتها، إضافة إلى أنهم يتقاضون مرتبات بالدولار الأمريكي والريال السعودي؛ تضاهي مرتبات دول الجوار، وهي سابقة لم يعهدها اليمنيون من قبل، ما يعني أنهم يستهلكون الجزء الأكبر من موازنة الدولة، في الوقت الذي يرزح ملايين المواطنين في الداخل بدون مرتبات، سواء الذين يقيمون في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين أو حتى الذين يقيمون في المناطق المحررة، حيث تتأخر مرتباتهم لأكثر من شهر، خاصة منتسبي الجيش الوطني المرابطين في جبهات المواجهة.

وأخيرا، إذا كانت دول التحالف يهمها حقا أن يبقى اليمن قويا متماسكا، فعليها أن تجعل من الحكومة الأداة الوحيدة لتنفيذ كافة الأنشطة التي يقوم بها التحالف، إغاثية وخدمية وتنموية، والتوقف عن تنفيذ المشروعات التي لايستفيد منها اليمنيون بقدر ما تستفيد منها دول التحالف لتنفيذ أجنداتها المشبوهة.

فغالبا ما يتحدث التحالف عن مليارات الدولارات التي أنفقها في اليمن خلال الفترة الماضية، والتي كان بمقدورها أن تدفع بالاقتصاد اليمني إلى القمة؛ لو أنها سلمت للحكومة، وحددت مصارفها بشكل منسق معها، لكنها للأسف صرفت من قبل التحالف مباشرة، وخاصة الإمارات لشراء ذمم، واستقطاب ولاءات، ومحاربة الاقتصاد، وإفشال الحكومة.