مقالات مختارة

عرب يحاربون إيران بتدمير بلادهم

1300x600
تماما كالمساجين في زنزانة المجانين، بات العرب يعيشون أسوأ مرحلة انحطاط سياسي، المصاب بلوثة الجنون، لا أحد يعرف كيف دخل الزنزانة، ولا أحد يعرف كيف يخرج منها، هؤلاء هم أهل السياسة العرب، الذين لا بد أن يكونوا واحدا من اثنين: إما مسحورون بشيطان الحكم والسلطة والنشوة، وإما فاقدون لعقولهم وغارقون في مستنقع الجهل والجهالة إلى درجة عدم التمييز ما بين نظام الحكم الذي يسعى لديمومة بقائهم والحفاظ على بلادهم وتطويرها اقتصاديا واجتماعيا على الأقل، أو أنهم متآمرون على أنفسهم وعلى أوطانهم وعلى شعوبهم، وهؤلاء لا مستقبل لهم، فالقادم سيكون عواصف ستقتلع عقلياتهم البالية.

فتحنا أعيننا نحن الجيل من الأغلبية العربية دون الخمسين على حرب باردة جدا، اسمها الصراع العربي الإسرائيلي، كان ذلك في مرحلة ما بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان، وضاعت مساحات شاسعة واسعة من رمال سيناء حتى جبال الجولان في غمضة عين بأسرع من خسارة المساحات الشاسعة في شرق سوريا وغرب العراق لحساب تنظيم داعش قبل سنوات. ومع هذا لم ينتصر أحد على إسرائيل، ولم يعترف أحد بأنه لا يستطيع حربها أو الانتصار عليها، وحده الرئيس أنور السادات الذي خضع لمعطيات الواقع، ووقع كامب ديفيد وأعاد سيناء بلا أي سيادة عليها، فيما حصل الأردن على السيادة على أوقاف القدس والأقصى.

ولكن قد يبدو الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي مملا وفارغا في ظل التطورات الجديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية السرية والعلنية، ومحاولة الأطراف خطب ودّ تل أبيب لإرضاء السيد الأمريكي الجديد، ولذلك يبقى السؤال المحير: لماذا وكيف تحارب الدول العربية جارتها اللدود إيران؟ وهل شن أي طرف منهما حربا مباشرة أو على الأقل غارة على الأخرى؟ بالطبع لا، ولكنها حرب الاستحياء، حرب باردة وخطابات لا تغير في الواقع شيئا، فيما إيران تمددت وأصبح تهديدها واقعا لا يمكن للخليج العربي الإفلات منه، وهم جميعا يشتمون طهران وحكامها فيما فازت إيران بالإبل وتركت خصومها حفاة على رمال الحقيقة الحارقة.

ناصبنا إيران العداء، وفتحنا لها خطوط الإمداد التجاري، ثم حاربنا إيران وتركنا العراق يغرق حتى رؤوس النخل في الدمار والتشظي والفساد، وعلى رأس كل ذلك تركنا المجال لقيام حكومات طائفية لا ترتبط بالعروبة في شيء، حتى الشيعة العرب تخلينا عنهم فضلا عن الأغلبية السنية، ما مهد الطريق لصنع حكومات خرجت جميعها، عدا حكومة إياد علاوي، من غرفة حزب الدعوة الشيعي، ولم نواجه إيران هناك، بل تركناها تسيطر على مراكز القرار وتنشئ جيشا من المسؤولين الخاضعين لها، وجيشا عسكريا من صنف واحد، وجيشا شعبيا يرفع الرايات المرسوم عليها صور الحسين، ومؤدلجا بطائفية مقززة، فدمر العراق والحلقة الأخيرة في الموصل التي أبيدت وأهلها تماما، وخصوم إيران ينظرون ولم ينبس أحد منهم ببنت شفة.

ناصبنا إيران العداء، وتدخلنا في سوريا لمواجهة «المشروع الصفوي» وقطع الإمداد والدعم عن النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، ولكن ما حدث أن كلا منا فاز بفصيل يقاتل الآخر، وتدفقت الإمدادات المالية والأسلحة إلى جماعات ليس لها علاقة بالحروب والجيوش النظامية، ولم يقترب أحد من العاصمة دمشق، ما جعل الأسد هو المسيطر طيلة ست سنوات كارثية دمرت سوريا، وأعادت المدن السنية قاعا صفصفا، وفازت إيران ومليشياتها دون صخب ولا ضجيج ولا محاصرة لأحد، فقط باستراتيجية ذكية جدا، ونفس طويل.

وحتى نحارب إيران، كِلْنَا الاتهامات لحركة حماس واتهمناها بالإرهاب، وتفوقنا على إسرائيل في معاداتها، وأصررنا على أن تقطع قطر دعمها لغزة وأهلها خشية تقوية حماس، ثم فجرنا أزمة في مجلس التعاون الخليجي وأعطينا مبررا للعالم كي يتهمنا رسميا بأننا خلف المنظمات الإرهابية، مع أن تهمة الإرهاب طاردت كل دولنا جميعها عدا القليل، ونشأت كارثة إنسانية جديدة في اليمن دون أن ننتصر على إيران ولا مليشياتها، فإلى متى سنبقى نحارب إيران بتدمير بلادنا؟

الشرق القطرية