سياسة عربية

الشيرازي يدافع عن "زواج المتعة".. غاضب من شيخ الأزهر

ادّعى الشيرازي أن كبار الصحابة مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب "تمتّعوا" بالنساء- أرشيفية
دافع المرجع الديني الشيعي، آية الله ناصر مكارم شيرازي، عمّا يعرف ب-"زواج المتعة"، قائلا إنه جائز، وإن عددا من الصحابة وكبار الأئمة أكدوا صحته.

الشيرازي وفي رسالة مطولة بعثها إلى شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أعرب خلالها عن غضبه وأسفه؛ لهجوم الأخير على "زواج المتعة"، والقول إنه لا يختلف عن البغاء.

وحاول الشيرازي إظهار "زواج المتعة"، بأنه أمر إنساني، لمساعدة المضطرين له، مثل المسافرين، أو من لديهم رغبة دائمة بممارسة الجنس، زاعما أن هناك ضوابط وشروطا لذلك.

وادّعى الشيرازي أن كبار الصحابة، مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، "تمتّعوا" بالنساء، مضيفا أن عبد الله بن عباس، وأسماء بنت أبي بكر من الصحابة، وابن تيمية، وغيره، أجازوا زواج المتعة.

وزعم الشيرازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع زواج المتعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلق الشيرازي بأن الشيعة اليوم يتبعون الرسول في مسألة "زواج المتعة"، وليس عمر بن الخطاب، في إشارة إلى أن النبي عليه السلام أجاز "زواج المتعة"، وفق زعمهم.

وتاليا نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الأخ الدکتور أحمد الطيب
شيخ الأزهر الشريف (دامت تأييداته)
السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته

ارجوا أن تکونوا في صحة وعافية، وأن يکون الله في عونکم؛ لأداء واجباتکم المقدسة في خدمة الدين والأمة، إنه سميع مجيب!

نحن دائما وأبدا نثمن جهودکم البناءة في سبيل توثيق أواصر الأخوة بين مختلف شرائح الأمة المرحومة، فإنها جهود مبارکة في ردم الهوة في بنيانها الشامخ، فإنه بذلک تفوّت الفرصة على الذين يريدون بالإسلام سوءا!

إن التاريخ سيسجل لکم مواقفکم الشجاعة والحکيمة في التصدي لمحاولات المؤسسة الوهابية الفاشلة في الاستيلاء على الأزهر الشريف وتوظيفه لأغراضها الهدامة المشؤومة!
فإنّ مواقفکم هذه ستبقى صفحة مشرقة وساطعة في تاريخ الأزهر الشريف إلى الأبد!
أخي الکريم قد طالعتنا وکالات الأنباء بخطابکم المتلفز عن زواج المتعة، أقولها بصراحة إن خطابکم هذا أثار استغرابي واستيائي في وقت واحد؛ لأننا لم نعهدکم أن تتحدثوا بهذه اللغة؛ فإنّ الخطاب کان استفزازيا متطرفا، في حين أنکم کنتم وما زلتم من دعاة الوسطية والإنصاف والعقلانية الراجحة!

إن خطابکم في التلفزيون المصري مثَّلَ هجوما کاسحا على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في مفردة «زواج المتعة» بل کان هجوما على کل من أراد أن يتبنّى هذا الموقف من أهل السنة فيفتي به حيث أنکم وصمتموه بالخيانة وهذا سلوک غريب لم يسبق له مثيل في تاريخ الفقه الإسلامي على الإطلاق! فقد کان ابن عباس يفتي بالجواز -کما هو معروف‌- فهل يصح منکم أن تلصقون عليه وصمة الخيانة؟! أليس في ذلک تجني وغمط على حساب الحقيقة؟!

 ويلزم - في هذا الشأن - أن نسترعي انتباهکم الکريم إلى ما يلي:
أولا: أن نکاح المتعة لم يکن وسيلة لاستغلال المستهترين والشاذين جنسيا! ولذلک قد افتينا في الاستفتاءات التي وجهت إلينا بأن نکاح المتعة لا يجوز إلا من دفعته الضرورة ليلجأ إلى هذا النکاح کما لو کان الإنسان بعيدا عن أهله وخشي أن يقع في الفجور لو لم يستعن بذلک على نفسه أو کان اعزبا ولم يتمکن من الزواج الدائم مع حاجته الملحة جنسيا! ومن هنا لو اطلقنا على هذا النوع من النکاح نکاح الضرورة لم نذهب بعيدا عن الصواب!

وهذا ما دلت عليه الروايات التي وصلتنا من أهل البيت (عليهم السلام) في ذلک.


ثانيا: نأتي فيما يلي بشواهد من إعلام أهل السنة في ما ذهب إليه ابن عباس فإن فيها إشارات هامة معبرة، علّها تقوّض التصوير المعروف لمقالة نکاح المتعة عند الجمهور من الفقهاء:
فالزيلعي في «تبيين الحقائق» في شرح القول (و بطل نکاح المتعة) صرح:
«وَقَالَ مَالِک : هُوَ جَائِز ؛ لِأَنَّهُ کَانَ مَشْرُوعا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ وَاشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاس تَحْلِيلُهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِکَ أَکْثَرُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَکَّةَ وَکَانَ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِکَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَعَنْ عَطَاء أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت جَابِرا يَقُولُ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَکْر وَنِصْفا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَهُوَ مَحْکِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الشِّيعَةُ».
وقال ابن رشد في «بداية المجتهد»:

«وَأَکْثَرُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا. وَاشْتُهِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس تَحْلِيلُهَا، وَتَبِعَ ابْنَ عَبَّاس عَلَى الْقَوْلِ بِهَا أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَکَّةَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَرَوَوْا أَنَّ ابْنَ عَبَّاس کَانَ يَحْتَجُّ لِذَلِکَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة وَلَا جُنَاحَ عَلَيْکُمْ) وَفِي حَرْف عَنْهُ : إِلَى أَجَل مُسَمّى، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا کَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَة مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَحِمَ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْلَا نَهْيُ عُمَرَ عَنْهَا مَا اضْطُرَّ إِلَى الزِّنَا إِلَّا شَقِيّ».
و قال الثعلبي في «الکشف و البيان»:
«... قلت: ولم يرخص في نکاح المتعة إلاّ عمران بن الحصين وعبد الله بن عباس وبعض أصحابه وطائفة من أهل البيت».
ثم قال عن نکاح المتعة :
«ثم اختُلف في الآية أمحکمة هي أم منسوخة؟ فقال ابن عباس: هي محکمة ورخّص في المتعة».
والزرقاني في «شرحه على الموطأ»:
«وتعقب قوله (... يخالف إلا الروافض) بأنه ثبت الجواز عن جمع من الصحابة کجابر وابن مسعود وأبي سعيد ومعاوية وأسماء بنت أبي بکر و ابن عباس وعمرو بن الحويرث وسلمة وعن جماعة من التابعين...واختلف هل رجع ابن عباس إلى التحريم أم لا قال ابن عبد البر أصحابه من أهل مکة واليمن يرونه حلالا».
و ابن حزم في «المحلّي»:
«وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَاعَة مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَکْر الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ مَسْعُود. وَابْنُ عَبَّاس، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْث، وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَد ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَف...».
وابن تيميه في «مجموع الفتاوي»:
«فَإِنَّ نِکَاحَ الْمُتْعَةِ خَيْر مِنْ نِکَاحِ التَّحْلِيلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُه.... " الثَّانِي " أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاس وَطَائِفَة مِنْ السَّلَفِ».
والسرخسي في «المبسوط»:
«بَابُ نِکَاحِ الْمُتْعَةِ.... وَهَذَا بَاطِل عِنْدَنَا جَائِز عِنْدَ مَالِکِ بْنِ أَنَس وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ».

فهذه النصوص تشير إلى مذهب ابن عباس وفريق من الصحابة والتابعين والفقهاء من أهل السنة فهل يصح بعد هذا وصف من أفتى به بذلک الوصف المشين المنکر؟!!!
ثالثا: قلتم فيما قلتم: «... هذا زواج المتعة، والعقد باطل بإجماع أهل السنة...»

قد ادعيتم الإجماع في عبارتکم هذه إلا أن دعوى الإجماع في ذلک بهذه الصيغة بعد العرض الذي تقدم لا يخلو من تکلف واعتساف! وقد أشار أحد علمائکم إلى ذلك حيث قال:
«... فصار تحريمه عند فقهاء أهل السنة کالمجمع عليه. ونقول: کالمجمع عليه؛ لما نقل من جوازه عن ابن عباس - رضي الله عنه - وکذلک جوازه عند أکثر أصحابه: عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريح... وقال أبو بکر، فيها رواية أخري: إنها مکروهة غير حرام؛ لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال: يجتنبها أحب إلى وقال: فظاهر هذا، الکراهة دون التحريم...».
فهذا هو حال الإجماع المدّعي! فصناعة الفقه تقتضي أن يقال: المشهور عند أهل السنة هو الحرمة!

ثم قلتم: "الشيعة الإمامية خالفوا أهل السنة، وأباحوا نکاح المتعة والزواج الموقت، وقد ذهبوا مذهبهم هذا اتباعا لروايات عندهم وفهم خاص بهم لبعض نصوص القرآن لکن علماء السنة فنّدوا کلامهم ونقضوه... وهنا يقول الدکتور على حسب الله ردّا عليهم: إذا أردتم أن تبرروا لمذهبکم فابتعدوا عن القرآن، لأنه ليس لکم فيه کلمة واحدة، تدل على أن هذا الزواج مباح".

من الملفت هنا أنکم أکّدتم على بطلان زواج المتعة بإجماع أهل السنة کافة، فجعلتموه حجة إلا أنه يبدوا قد غاب عنکم أن أئمة أهل البيت جميعا قد افتوا بالجواز وأن فقهاءهم أيضا افتوا جميعا بالجواز، وعليه: هل يصح منکم أن تأخذوا بالإجماع الأول دون الإجماع الثاني؟! مع أنکم في لقائکم مع قناة النيل قلتم تبعا للمغفور له الشيخ محمود شلتوت أن المذهب الإمامي هو المذهب الخامس وأن الانتقال إليه من المذاهب الأخرى لا بأس به، فيصح الانتقال کما يصح من المذهب المالکي مثلا إلى المذهب الشافعي!
 
فما هو سبب التنکر للإجماع الثاني في المقام؟!
والأنکى من ذلک قولکم: «أن علماء السنة فنّدوا کلامهم ونقضوه»... ثم أردفتم هذه العبارة بما قاله الدکتور على حسب الله!

فإنه کلام عجيب! لأنه مجرد دعوي! فمن متى أصبحت الدعوى دليلا في الاحتجاج لدي علماء المسلمين؟! إن ذلک کلام خطابي لم يستند إلى برهان فلا يسمن ولا يغني من جوع!
هذا مضافا إلى أن المعروف من أن عمر بن الخطاب قال: «... وأنهما کانتا متعتان على عهد رسول الله(ص) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما أحدهما متعة النساء... والأخرى متعة الحج...».

ونحن في هذا المقام نقول بما قاله عبدالله بن عمر في متعة الحج حيث روي کما في سنن الترمذي:
«... عن بن شهاب أن سالم بن عبدالله حدثه أنه سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل عبدالله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبدالله بن عمر: هي حلال، فقال الشامي أن أباک قد نهى عنها، فقال عبدالله بن عمر: أرأيت إن کان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله(ص): أأمْرُ أبي يتبع أم أمرُ رسول الله؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله(ص) فقال: لقد صنعها رسول الله».
وقد وصف الألباني هذا الحديث بالصحيح.

فنحن في متعة النساء أيضا نتبع رسول الله(ص) ونضع رأي عمر جانبا کما صنع ابنه عبدالله!


إلا أن لموقف عبدالله بن عمر من رأي أبيه دلالة صارخة لأنه يؤکد بأن قرار حظر المتعتين کان قرارا قد تفرّد به عمر ولم يکن حاکيا عن رأي رسول الله في ذلک کما أکد عمر ذلک بنفسه من قبل، خلافا لما ادعاه الفخر الرازي ومن لف لفه بهذا الشأن وبذلک تذهب محاولات الفخر واتباعه في توجيه فعل عمر من دون نتيجة!

وينبغي القول بأن عبدالله بن عمر في مقالته هذه قد وضع النقاط على الحروف لأنه کشف عن أمر خطير للغاية وهو أنه في قضية تحريم المتعتين قد وظف القوم نسخ الآية والروايات المنسوب للرسول ودعوى الإجماع من أجل تبرير موقف عمر في القضية فإنهم اصّلوا الشخصية وهمّشوا التراث بل وظفوه للدفاع عن الشخصية وهو الخليفة عمر... ويبدو أن ذلك منهج متبع في أديباتهم على طول الخط وما أخطره من منهج!!!
 
رابعا: أن تصويرکم لزواج المتعة عند الشيعة کان مشوها وتسقيطيا لا يتواءم مع ما تتطلبه الأمانة العلمية في نقل رأي الآخر! اسمح لي أن أقولها بصراحة إنکم تحدثتم في هذا الشأن بلغة أهل السياسة! في حين أنکم قد واعدتم في بداية تصديکم لإمامة الأزهر في مؤتمر حوار الأديان في واشنطن بأنه: «... الخلاف بيننا وبين الشيعة کالخلاف بيني أنا السني کمالکي وبين الحنفي السني... وهذا الذي نؤکد عليه ونحافظ عليه ونحميه من عبث السياسة» فما عدي مما بدي؟!

نأمل أن تعود الأمور إلى نصابها الحقيقي ونتکلم بلغة يرتضيها أهل العلم ونلتزم بقواعد الحوار البناء في قضايا الأمة الساخنة!

وقد قلتم عن زواج المتعة:
«وما هو إلا عبارة عن لقاء موقت بين الرجل والمرأة من أجل قضاء الشهوة فقط...».

إن نکاح المتعة ليس لقضاء الشهوة، بل هناك حاجة عاطفية ملحة أيضا لعلها لا تقل أهمية من إطفاء نار الشهوة! وقد ذکرنا آنفا أن هذا النکاح يختص بحالات الضرورة فإن الذين يعانون من ضغط جنسي قاتل بحيث يحدو ببعضهم إلى الإصابة بالجنون لو کانوا محافظين! فلو کان الغرض من زواج المتعة هو حل العقدة الجنسية للملايين من النساء والرجال لکفى به غرضا مشروعا!
 
خامسا: وقد ورد في خطابکم:
«.... ومن هذه الحرة التي تقبل هذا الإذلال؟! أليس هذا بيع لجسدها لقاء حفنة من المال؟! وما الفرق بينها وبين البغايا؟!...».

وا أسفاه! هل أن زواج المتعة في الصدر الأول الذي قد أمر به رسول الله هل کان إذلالا للحرة وبيعا لجسدها وکانت الحرة فيه بغية؟!، کذلك الأمر في الوقت الراهن، فإن نکاح المتعة حاجة ملحة من طرفي العقد تدعوهما لإنشاء عقد بمحض إرادتهما ليستمتع کل منهما بالآخر! کما هو الحال في الزواج الدائم! لا ينتهي أسفي من أن يوصف حکم الله بهذه الأوصاف ولو فرضنا کونه منسوخا!

إن زواج المتعة هو الزواج الدائم ذاته، إلا أنه قد أستثني منه بعض الشروط، وهذا ليس أمرا مستغربا فإن بعض الفقهاء من أهل السنة ذهب إلى مشروعية زواج المسيار وقد استثنيت فيه النفقة والمبيت فأفتي بذلك فقهاء أهل السنة بملء أفواههم ولم يتهمهم أحد في فتواهم بالخيانة! فما هو الفرق؟!

وأما السکني والمودة والرحمة التي وردت في خطابکم فإنها حکمة ولا يدور الحکم مدارها، فان عدم توفرها في العقد الدائم لا يؤدي إلى بطلانه وقد تتوفر هذه کلها في زواج المتعة لأنه لم يشرّع ليوم أو يومين بل قد يکون لمدة شهور أو سنوات وعليه فقد يحصل ذلک في زواج المتعة فلا يصلح ذلک بحال دليلا لتفنيد مشروعية نکاح المتعة.
 
سادسا: ومن جملة ما ورد في خطابکم ما يلي:
«أن الأزهر يقول: إن زواج المتعة حرام وأنه قرين البغاء».

هل يصح للأزهر الشريف أن يصف فتوى أحد المذاهب الخمسة التي اعتراف بها بأنها فتوى الاقتران بالبغاء؟!

قد ورد في صحيح مسلم أنه رخص رسول الله عام أو طاس في المتعة ثلاثا...
فهل أن الرسول رخص بالبغاء - العياذ بالله! -؟!
قال جابر بن عبدالله في حديث کما في صحيح مسلم أيضا:
«استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بکر وعمر».
وکذلك عنه في صحيح مسلم:
«کنا نستمتع... على عهد رسول الله وأبي بکر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث...». 
هل کان جابر بن عبدالله وغيره من الصحابة کانوا يمارسون البغاء؟!

ومن العجب أنه بعد کل هذا التهويل والتنکير والتضخيم في تحريم نکاح المتعة قال فقهاء أهل السنة:
«ورغم بطلانه فإنه يترتب عليه أحكاما بيان-ها ما يلي:
1- إنه لا يقع على المرأة في نكاح المتعة طلاق ولا إيلاء ولا ظهار، ولا لعان ولا يجري التوارث بينهما، ولا يثبت به إحصان للرجل ولا للمرأة ولا تحصل به إباحة للزوج الأول لمن طلقها ثلاثا.

2- وإنه لا شيء على الرجل في نكاح المتعة؛ من المهر والمتعة والنفقة ما لم يدخل بالمرأة، فإن دخل ب-ها فلها مهر المثل، وإن كان فيه مُسمَّى عند الشافعية ورواية عن أحمد وقول عند المالكية؛ لأن ذكر الأجل أثر خللا في الصداق.

وذهب الحنفية إلى أنه إن دخل ب-ها فلها الأقل مما سمى لها ومن مهر مثلها إن كان ثمة مسمى، فإن لم يكن ثمة مسمى فلها مهر المثل بالغا ما بلغ. وذهب المالكية والحنابلة في المذهب إلى أنه يجب لها بالدخول المسمى؛ لأن فساده لعقده، وهو اختيار اللخمي من المالكية.

3- وإنه إن جاءت المرأة بولد في نكاح المتعة، لحق نسبه بالواطئ سواء اعتقده نكاحا صحيحا أو لم يعتقده، لأن له شبهة العقد والمرأة تصير به فراشا. وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول وعليه الفتوى عند الحنفية.

4- وإنه يحصل بالدخول في نكاح المتعة حرمة المصاهرة بين كل من الرجل والمرأة وبين أصولهما وفروعهما.

5- وإنه لا حدَّ على من تعاطى نكاح المتعة سواء كان ذلك بالنسبة للرجل أو المرأة؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات، والشبهة هنا هي شبهة الخلاف، بل يُعزَّر إن كان عال-ما بالتحريم لارتكابه معصية، لا حدَّ فيها ولا كفارة».

وفي الختام نعود ونؤکد بان زواج المتعة ليس استجابة لإشباع جنون جنسي ورغبات مجونية جامحة، بل هو حل شرعه الله سبحانه وتعالى -حسب مذهب أهل البيت(عليهم السلام)- لمعالجة مشکلة قائمة في المجتمعات البشرية فهي داخلة في دائرة الضرورات - کما يستشف من روايات أهل بيت النبوة - لا في دائرة هلوسات آثمة وفاجرة!

ثم أنه قد ناشدتم فضيلتکم البنين والبنات بأن يسألوا من يفتيهم بإباحة نکاح المتعة بقولکم:
«أسألوا من يفتيکم بإباحة نکاح المتعة، هل ترضاه لابنتک؟! فاذا رفض فقولوا له: اتق الله في بنات المسلمين...».

أولا: أن رسول الله الذي أسس هذا الأساس أولى بهذا التساؤل وأحق بهذا العتاب!

ثانيا: أن زواج المتعة شرع للضرورات کما أسلفنا وليس کل من أفتى بذلک مبتلى بها فليس هو محلا لها کي نستجوبه بهذه الأسئلة! وإن لم تکن إلا لإحراج المفتي بهذه الفتوى!

وزائدا إلى هذا وذاك لا أظنّ أن أسلوب الإثارة والتحريض، أمرا محبذا ومجديا في معالجة القضايا الفقهية العالقة!

وعليه ينبغي أن تعالج مثل هذه القضية الجادة تحت قبة مراکز البحث العلمي من خلال مناقشات علمية موضوعية ورصينة بعيدا من أي تحريض طائفي ثم يحکم بمالها أو عليها لا أن تعرض في وسائل الإعلام بلغة استفزازية وغاضبة لکي تُستغل من قبل الذين لا يريدون للإسلام وأهله خيرا!
 
نحن نأمل -في هذه الظروف العصيبة التي ألمّت بالأمة- أن نعمل جميعا لإسکات المنصات الداعية إلى الفتنة الطائفية ونشر الکراهية والبغضاء وأن نسمع منکم أخبارا طيبة -أيها الطيب- تلم الشمل وتنبذ الفرقة والتشرذم! وترضي الله ورسوله والشرفاء من أبناء الأمة! کما سمعناه منکم سابقا ونرجو لکم حسن العاقبة ودوام العمر في عافية.

أستودعكم الله
والسلام عليکم ورحمة الله
أخوکم ناصر مکارم الشيرازي
20 شوّال 1438 هـ- ق / 15 يوليو 2017م