مقالات مختارة

هكذا انتكست دبلوماسية مصر وإسرائيل

محمد عايش
1300x600
1300x600
أربع دول غير عربية هي التي تبنَّت مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن، بينما بادرت مصر إلى سحب مشروع القرار وتراجعت عنه وحاولت عرقلة التصويت عليه، لتكشف المصادر الإسرائيلية كواليس ما جرى وتؤكد أن الموقف المصري تم بطلب من حكومة تل أبيب وبعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

لولا الدول غير العربية الأربع لنجح النظام المصري في إنقاذ الإسرائيليين وفوَّت على الفلسطينيين والعرب والعالم فرصة إدانة الاستيطان الإسرائيلي الذي يبتلع اليوم أكثر من 42 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، وهو الاستيطان الذي يُجمع العالم بأكمله على أنه غير شرعي، وأنه يمثل انتهاكا لقوانين الشرعية الدولية، ومحاولة لتغيير الواقع على أرض محتلة يجري التفاوض منذ سنوات على مصيرها.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها العرب صدمة من الدبلوماسية المصرية التي تنحاز إلى المعسكر المعادي؛ فقبل أسابيع قليلة نشبت أزمة حادة بين الرياض والقاهرة بسبب أن المندوب المصري صوَّت مع المشروع الروسي في مجلس الأمن بشأن سوريا، وهو ما دفع المندوب السعودي إلى أن يستشيط غضبا حينها ويقول بأن موقف كل من ماليزيا والسنغال أقرب إلى الموقف العربي من الموقف المصري.. وها هي السنغال وماليزيا (إضافة إلى نيوزيلندا وفنزويلا) يتبنون مشروع القرار الذي سحبته مصر وحاولت عرقلته، لينتهي مجلس الأمن إلى إقرار القرار بأغلبية 14 صوتا من أصل 15 عضوا في المجلس، دون أن تستخدم أي من الدول الخمس الكبار حق "الفيتو" لنقضه، بينما اكتفت الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت.

ثمة العديد من الدلالات المهمة والكبيرة والعميقة لصدور القرار رقم (2334) الذي يُدين الاستيطان الإسرائيلي، ويطالب إسرائيل بوقف التهام أراضي الضفة الغربية وتغيير معالمها، وهذا على الرغم من أن القرار ربما لا يلبي كل طموحات الفلسطينيين، إلا أنه يشكل تحولاً مهماً ذا دلالات لا يمكن غض النظر عنها. 

أولا: قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي هو الأول من نوعه منذ 36 عاما، وكانت آخر محاولة فاشلة لاستصدار هكذا قرار قد حدثت في العام 2011 عندما استخدمت الولايات المتحدة حق "الفيتو" لتعطيل مشروع القرار آنذاك، وهذا يعني بكل وضوح أن العالم يشهد تغيرا استراتيجيا مهما في مجال التعاطي مع القضية الفلسطينية، إذ لم تعد الأكاذيب الاسرائيلية تنطلي على العالم، ولم يعد ما يسوقه الإسرائيليون يلقى من يصدقه، ولذلك يتغير تدريجيا طريقة تعاطي العالم مع اسرائيل وسياساتها، وخاصة في مجال الاستيطان. وقبل صدور هذا القرار كان الاتحاد الأوروبي قرر تمييز منتجات المستوطنات بما يعني أن التعاطي معها لا يتم بنفس طريقة التعامل مع المنتج الإسرائيلي العادي. 

ثانيا: تبني مشروع القرار من أربع دول غير عربية تقع في قارات أربع مختلفة والعمل على تمرير القرار في أهم محفل دولي من قبل هذه الدول الأربع، بما فيها نيوزيلندا التي تقع جغرافياً في أبعد مكان عن المنطقة العربية، وفي طرف العالم، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب وحدهم بل تحولت إلى قضية مركزية كونية تُمثل مركز الاهتمام للعالم بأكمله. 

ثالثا: الدبلوماسية المصرية تسببت بالإحباط للعرب للمرة الثانية خلال شهرين فقط، الأولى عندما صوتت في مجلس الأمن مع المجازر في سوريا ولصالح المشروع الروسي الإيراني في المنطقة، والثانية عندما حاولت إحباط قرار إدانة اسرائيل، وهو ما يُفسر أيضا كيف ولماذا يستمر الحصار المصري على قطاع غزة، وبتشديد أكبر من التشديد الإسرائيلي للحصار، إذ باتت مصر في ظل النظام الحالي أهم حليف للإسرائيليين في المنطقة على الصعيد السياسي والأمني والعسكري.

رابعا: بالقرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن تكون الدبلوماسية الإسرائيلية قد تلقت ضربة موجعة، كما تكون جماعات الضغط ووسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة التي تعمل لحساب الدولة الإسرائيلية قد منيت هي الأخرى بالفشل. القرار أكد العزلة الحقيقية لإسرائيل وسياساتها المنتهكة للقانون الدولي على المستوى الدولي. والدرس المهم أنه من الممكن التصدي للدبلوماسية الإسرائيلية وأدواتها لو توفرت الإرادة وإذا تم اختيار الوقت المناسب. هذا انتصار جديد للقضية الفلسطينية لا يمكن الاستهانة به ولكنها تبقى خطوة على طريق الألف ميل نحو الحرية وعودة الحقوق.

خامسا: لا شك أن القرار هو رسالة وصفعة أخيرة من أوباما لنتانياهو ورد متاخر منه على الإهانات المتكررة والتآمر الذي مارسه الأخير ضد أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية. لقد جاء أوباما في بداية عهده بآمال عريضة لحل القضية الفلسطينية وكان إيقاف الاستيطان عنوانا رئيسيا في برنامجه. ولكن نتنياهو أفشل مشروع أوباما بالكامل بل وصل تآمره إلى الحد الذي دعم فيه المرشح الجمهوري رومني ضد أوباما في الانتخابات الرئاسية في 2012. وكذلك تحريضه العلني والمبطن ضده في الكونغرس. وكذلك أراد أوباما أن يقول لترامب الذي حاول أن يوقف القرار بتصريحاته العلنية واتصاله المباشر بالسيسي إنه الرئيس الوحيد للولايات المتحدة صاحب الصلاحية الكاملة حتى آخر لحظة في ولايته. على أية حال ربما أراد أوباما أيضا أن يؤكد استمرار التزامه الشخصي المبدئي بما طرحه في أول عهده وفشل في تحقيقه. ويبقى السؤال لماذا لم يسمح أوباما بمثل هذا القرار في أول عهده وليس في آخر أيامه؟ ربما لو أنه فعلها بداية لكان الشرق الأوسط وقضيته الأولى في وضع آخر مختلف تماما. ولكنه التردد القاتل والانسحاب في كل شؤون الشرق الأوسط هو ما رافق أوباما في سنواته الثمان. وهذا لا يقلل من أهمية القرار حتى وإن تأخر فأن تأتي متاخرا خير من أن لا تأتي أبدا. 

خلاصة القول، إنَّ القرار الأممي الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يُمثل تطورا استراتيجيا بالغ الأهمية على الرغم من أنه من حيث المضمون لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني كافة ولا يحقق لهم حقوقهم الكاملة، كما أنه من المعروف سلفا أن الإسرائيليين سيضربون عرض الحائط به، إلا أنه بكل الأحوال يمثل هزيمة قاسية لآلة الإعلام والسياسة الإسرائيلية، وتحولا جديدا في مسار القضية الفلسطينية التي تخرج من إطارها العربي لتثبت من جديد أنها قضية مركزية للعالم بأكمله، أما النتيجة الأخرى التي يتوجب على العرب أن يفهموها فهي أن بعض الأنظمة العربية باتت أبعد بكثير عن العرب من دول تبعد جغرافيا ولكنها تقترب إنسانيا وأخلاقيا مثل نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، كما قال السفير السعودي ذاته في لحظة غضب بنيويورك.

* نقلا عن موقع (ميدل إيست آي) - ترجمة: عربي21.

* لقراءة المقال كاملا في الموقع الأصلي باللغة الإنجليزية إضـــغط هــنا
0
التعليقات (0)