مقالات مختارة

مذبحة الفلوجة.. الهروب للأمام؟

داود البصري
1300x600
1300x600
وسط حالة غير مسبوقة من الاحتقان العراقي الداخلي، وفي خضم أزمة الانشقاق الفظيع داخل أروقة (التحالف الوطني العراقي) الحاكم، بعد اشتعال موجات الغضب الجماهيري، وعمليات الاقتحام الشعبي المستمرة لحصون وقلاع ومكاتب الحكومة في المنطقة البغدادية الخضراء، ومع تصاعد الخطاب الجماهيري العراقي العابر للطائفية والمحاصصة والداعي للتغيير وإصلاح الأوضاع وإنهاء حالة الجمود والفشل المتحكمة برقاب الأداء السلطوي الفاشل، تفجر الوضع فجأة عن تفعيل ملف حاسم وحساس ويتطلب جهودا وطنية حقيقية للتفاعل معه وإنهائه وفق مقاربات وطنية شاملة، وليس عبر إجراءات انتقامية تعزز الفشل، وتوسع مساحات المأساة، وتكرس من حالة الانقسام الشعبي!

وهو ملف استعادة السيطرة على قضاء (الفلوجة) القريب من بغداد، الذي تعتبره الحكومة مصدر خطر حقيقيا لأمن وأمان العاصمة العراقية، وحيث يكون لوجود (تنظيم الدولة) هناك، السلطة التي تهاوت حصونها ومواقعها أمام الجماهير الشعبية المنتفضة، التي تكبدت بدورها خسائر بشرية مروعة في المواجهة الأخيرة مع قوات الحكومة في المنطقة الخضراء، لم تجد بدا ولا وسيلة للسيطرة على الاحتجاجات ومنع تواليها أسبوعيا، إلا من خلال تصعيد إطار المواجهة ومحاولة استعادة السيطرة الكاملة على الفلوجة وحزام بغداد، وصرف انتباه الجماهير عن الإصرار على المطالبة بالإصلاح وهو هدف صعب المنال!! وتوجيه الهم الوطني نحو مسألة أخرى ومختلفة كان يتم الإعداد لها منذ فترة من خلال مراقبة تصريحات قادة المليشيات الطائفية العراقية، التي تبدو متعجلة تماما لإنهاء الوضع في الفلوجة بما يتناسب وتوجهاتها الفكرية والطائفية!

فجميعنا يتذكر ما صرح به قبل شهور قائد الحشد الطائفي هادي العامري ونائبه الإرهابي الدولي أبو مهدي المهندس، حول ضرورة ما أسماه بـ (سحق رأس الأفعى) في الفلوجة!! فكان قرار حكومة حيدر العبادي بالتوغل بعيدا في الفلوجة! وهو قرار خطير وغير مسؤول ولا يمكن اتخاذه بهذه الدرجة من العجالة، التي يبدو واضحا بأنها مجرد عملية هروب واندفاع للأمام وتأجيل البحث في تنفيذ المطالب الجماهيرية، بل التهرب من التزاماتها والمضي بعيدا وبمغامرة واضحة عن الهدف المركزي، معركة الفلوجة ليست من طراز المعارك العادية أبدا!

 فالفلوجة تظل رمزا شاخصا لمرحلة عراقية صعبة أعقبت الاحتلال الأمريكي عام 2003 وكانت عنوانا لمعارك أمريكية رهيبة مع المقاومة الوطنية، جعلت الأمريكان خلالها وبعدها وحتى اليوم يستعيدون ذكريات الحرب الفيتنامية! ورغم مرور مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور العراقية، ظلت الفلوجة تمثل أرقا حقيقيا لسلطة الاحتلال ولأدواته التي تركها خلفه، فكانت مقاومتها الأسطورية هي الفصل المركزي في ملحمة المقاومة العراقية، لقد بدأ الفصل الجديد لمعركة استعادة الفلوجة من قبضة تنظيم الدولة بداية سيئة للغاية، من خلال تهديدات قادة المليشيات الطائفية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لأهلها، فقد دعي الشيخ أوس الخفاجي قائد جماعة (أبي الفضل العباس) لإبادة المدينة وأهلها إبادة تامة، الذين اعتبرهم (دواعش)! وهو تصرف أخرق إذ رافق ذلك تصريحات تهديدية أخرى ضد دول الخليج العربي! وسرعان ما تدارك القائد العام حيدر العبادي الموقف عبر بيان مقتضب يؤكد فيه عدم مشاركة الحشد في اقتحام ودخول الفلوجة، وبأن موقف الخفاجي لا يعبر عن الحشد الذي هو جزء من منظومة الدولة العسكرية!

والواقع أن العبادي لايمتلك سيطرة ولا مقدرة ولا قيادة تمكنه من السيطرة على تصرفات قادة الحشد كونهم لا يتلقون الأوامر منه، بل من جنرال الحرس الإيراني (قاسم سليماني) الذي حرص على الحضور والوجود ميدانيا إثباتا لقوة الدعم الإيراني لمعركة الفلوجة!

ما يجري لا يبشر بخير أبدا، وحكومة العبادي تهرب للأمام، فإدارة معركة التغيير والإصلاح لا تكون عبر المغامرة بسفك الدماء عبثيا، بل بسياسات مسؤولة تنزع فتيل الموقف المتفجر! وهذا لن يحدث أبدا، مجازر مؤسفة في الطريق.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)