مقالات مختارة

تقسيم العراق وسوريا.. تدمير للشرق؟

داود البصري
1300x600
1300x600
في تصريح ملفت للنظر ويحمل دلالات ومغازي وإرهاصات واضحة لا تحتمل التأويل ولا المراوغة، أعلن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السيد جون برينان عن مخاوفه من تقسيم العراق وسوريا! وعدم إمكانية بقاء البلدين المشرقيين العربيين موحدين في ظل الظروف التي يمرون بها! كما أكد برينان على أن تأسيس كيان ديمقراطي على النمط الغربي في العراق مسألة صعبة للغاية، وغني عن الذكر إن من أهم المبررات الأمريكية لغزو وتدمير العراق عام 2003 كان فرض الديمقراطية على الطريقة الأمريكية!! فإذا بتعقيدات الواقع العراقي المر قد دفعت العراق ديمقراطيا نحو (ولاية الفقيه)، وهي أسوأ نهاية مأساوية للمشروع الأمريكي الذي استحضر منذ البداية معه أدوات فشله! من خلال تسليم السلطة للأحزاب الطائفية العميلة ذات المرجعية الإيرانية الرثة، لتكون هي القائدة والمسيرة للعملية السياسية التي ولدت من رحم الاحتلال وهي تعاني الكساح وكل أمراض فقر الدم ونقص المناعة الوطنية بعد تغلغل الطائفية والعشائرية والقيم المتخلفة التي أضحت هي العنوان الأكبر للعملية السياسية المريضة العرجاء!؟

والتقسيم الذي تحدث عنه رئيس المخابرات الأمريكية ليس بالأمر الجديد ولا المفاجئ، فأتذكر أنه في فبراير عام 1980 صرح الرئيس العراقي السابق الراحل صدام حسين من (أن هنالك مخططات غربية لتقسيم العراق لثلاث دول: سنية وشيعية وكردية)، كما أن تقسيم المنطقة وإشغالها بحروب أهلية وداخلية مسألة معروفة منذ انفجار الحرب الأهلية اللبنانية في ربيع عام 1975؟ وتحديدا في المرحلة التي أعقبت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 والتي كانت آخر حرب عربية/إسرائيلية بالمعنى الحرفي للحروب التقليدية، والعجيب أن ملفات التقسيم كانت مكشوفة ومفضوحة ولكن لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لمنع ذلك السيناريو المرعب.

في أواخر عام 1978 ضاعت على الشرق العربي فرصة تاريخية لتغيير الموازين المعوجة من خلال إهدار فرصة لقيام الوحدة الاندماجية بين نظامي البعث في سوريا والعراق في المرحلة التي أعقبت قمة بغداد الأولى وبعد مؤتمر كامب ديفيد!؟ وهي وحدة لو تمت فعلا لتغيرت الكثير من المعطيات والسيناريوهات؟ ولكن الخلافات البعثية والشخصية بين قيادتي البلدين أهدرت تلك الفرصة التاريخية التي ضاعت للأبد، لتكون حالة العداء هي القاعدة والاتفاق هي الاستثناء؟ فدخل العراق في معمعة الحرب مع إيران ثم كانت مأساة غزو الكويت عام 1990، الذي كان المدخل الحقيقي لتدمير العراق بعد حصار دولي قاسي وظالم هشم القواعد الاجتماعية، وحتى الأخلاقية للمجتمع العراقي، ليأتي الاحتلال الأمريكي عام 2003 ليجهز على أهم عنصر وهو عنصر (الوحدة الوطنية)! ليدخل البلد في معمعة التقسيم الطائفي والعرقي ويتحول من دولة داعية للوحدة القومية لدولة لا تحافظ على وحدة أقاليمها، النظام السوري الذي كان يصور نفسه ويقدمها على كونه نظام (الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي) كان يستعمل شعارات البعث القومية مجرد واجهة مزيفة للتسويق الإعلامي، بينما سياسته الفعلية كانت ذات أبعاد طائفية واضحة المعالم عبر الانخراط في التحالف الإيراني وتنفيذ البرنامج الطائفي، والعمل على تقسيم سوريا لمواجهة حالة التململ والثورة الشعبية، ومحاولة البقاء في السلطة، ولو على جثة الوطن السوري، التي يخطط لتمزيقها لكانتونات طائفية تكرس كل معاني الفشل الكبير وتطرح صورة مشوهة للشرق العربي، فالتقسيم فيما لو نجح إقراره في الساحتين العراقية والسورية فهو بمثابة طعنة نجلاء للوجود العربي في الشرق، وهو بالتالي لن يتوقف عند حدود البلدين، بل سيتفاعل ويؤسس لحالة تدميرية شاملة لدول الشرق الأوسط؟

مدير المخابرات الأمريكية يلطم على مصير سوريا والعراق، ويذرف دموع التماسيح المزيفة متناسيا بأن السياسة الأمريكية تقف خلف مصائب الشرق، كما أن التدخلات الدولية الفظة في التجاوز على خيارات شعوب المنطقة قد لعبت أدوارا حاسمة فيما يسود من انهيار، فالدور الإرهابي العدواني الروسي الراهن هو من يكرس عملية التقسيم في سوريا، وهو الضامن الحقيقي لأي خراب سيحل في الوطن السوري وفي دمشق قلب العروبة النابض الذي طعنه الطغاة والمجرمون في مقتل!

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)