مقالات مختارة

مشاجب أكلها السوس!

خيري منصور
1300x600
1300x600
لا أظن أن السيدين سايكس وبيكو هما اللذان ادخلا إلى الثقافة العربية عبارات من طراز ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة، أو الأقارب عقارب، أو اتقّ شرّ من أحسنت إليه أو أعلّمه الرماية كل يوم وحين اشتدّ ساعده رماني، أو اعلّمه القوافي وفي أول قافية هجاني...

ولا أظن أن أقوالا مأثورة في ثقافتنا العربية مثل سوس الخشب منه وفيه، أو العبارة التي نرددها في طقوس العزاء وهي يِسْلم راسك والبقية في حياتك مترجمة عن الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية .

تبعا للثنائي غير المرح سايكس وبيكو، هناك سودان واحد وعراق واحد وليبيا واحدة وسوريا واحدة. لكن تبعا لمن يلعنون سايكس بيكو بعد قرن، فإن الطبعة العربية الجديدة هي التي قسمت السودان إلى سودانات واليمن إلى يمنات والعراق إلى عراقات وسوريا إلى سوريات .

الاستعمار نهب ثرواتنا لا جدال في ذلك، وسعى إلى تفريقنا وتلك حقيقة تاريخية، لكنه لم يؤلف لنا كتبا وأمثالا شعبية تحرّضنا على كراهية ذوي القربى، ومن قال إن قبيلة عبد المدان لها أجسام بغال وعقول عصافير ثم عاد ليقول إنها سيدة البيان ليس فلوبير الفرنسي أو كبلنج الإنجليزي أو نيتشة الألماني، من قال ذلك رجل عربي من رأسه حتى أخمص قدميه مرورا بلحيته ولسانه .

كفى بحثا عن مشاجب؛ تهربا من عبء المسؤولية، فنحن براقش التي جنت على نفسها وعلى أحفاد أحفادها، لأننا ننظر إلى الآخر حتى لو كان شقيقا على أنه عدو محتمل، وننصح أبناءنا ألا يزرعوا الرجال؛ كي لا يقلعوهم، ونقول لسعد: ضع طرف ثوبك في فمك، وأطلق ساقيك للريح؛ لأن أخاك سعيد قد هلك !

لنعط ما لسايكس وبيكو ما لهما، لكن استعدادنا -العرب- لتحويل وطن بسعة قارة إلى زنازين وكسور عشرية هو ما أسال لعاب الغزاة من كل الجهات.

كفى بحثا عن مشاجب؛ لأنها تكسرت وأكلها السّوس !!

عن صحيفة الدستور الأردنية
0
التعليقات (0)