مقالات مختارة

سجال الأكثريات والأقليات

خيري منصور
1300x600
1300x600
لم تكن مجرد مصادفة أن تصدر في تسعينات القرن الماضي، وفي أعقاب الحرب الباردة، سلسلة من الكتب بمختلف اللغات عن الأقليات في العالم، ومنها تلك الموسوعة التي تضمنت أكثر من مئتي أقلية في العالم، وقال من أعدوها إن تلك الأقليات تواجه خطر الاندثار، وكانت حصة العالم العربي من تلك الكتب هي الأكبر؛ لأسباب نحاول الآن فهمها بدرجة أعمق وبأثر رجعي.

فهل كانت تلك الدراسات والموسوعات تهدف بالفعل إلى إنقاذ أقليات، أم أنها محاولات لتفتيت الهويات القومية؟

فإذا كانت المقدمات تُعرف وتُقاس نتائجها، فإن نتائج تلك المحاولات تتضح الآن على نحو سافر. فقد تحولت الأطياف السياسية المتعايشة إلى طوائف متنازعة، وجرى بالفعل تفتيت هويات كبرى لصالح هويات فرعية، ما يجزم بأن هناك، بالفعل، حقوقا يراد به باطل.

أمّا الاستراتيجية الأم لهذه المخططات، فهي تهدف إلى خلق حروب بديلة، واستبدال أعداء تاريخيين بأعداء جدد، وتبعا لما يُسمى ازدواج المعايير في التعامل مع الظواهر الإنسانية، فإن هناك من يدعون إلى إنقاذ أقليات، رغم أنهم يمارسون عكس ذلك ميدانيا، فكيف نصدق أن فاقد الشيء يعطيه؟!

وحين تُعقد، في هذه الآونة الحرجة، ندوات عبر الميديا، خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا، تشمل الأقليات برعايتها وعطفها، فإن ما يحدث وراء الكواليس هو شيء مغاير.

ولو أخذنا العالم العربي نموذجا، فهو، باعتراف حتى المستشرقين، قدم مثالا للتعايش، يندر أن يكون له مثيل، وبالتحديد حين كان، في حقبة ما، ملاذا لليهود حين تعرضوا لاضطهاد عرقي وديني في أوروبا.

وأحيانا يكون للتوقيت في طرح بعض القضايا والظواهر دور بالغ الأثر والفاعلية، ومنه على سبيل المثال تحويل الطارئ والاستثنائي إلى أمر واقع، وتغذيه نزاعات أهلية، لكي تتحول إلى حروب أهلية، وهذا ما حدث بالفعل، وكأن المقصود في نهاية المطاف تحويل العرب، بمجملهم، إلى أقلية عرقية في هذا الكوكب، ويشهد على ذلك ما تطور إليه الاستشراق، بحيث يصبح عسكريا، وليس ثقافيا فقط!

إن ثنائيات من طراز الأقلية والأكثرية تحتاج إلى إعادة نظر؛ لأن الثقافات القومية التي احتضنت أقليات ليست متجانسة، وعلى القدر ذاته من القدرة على الامتصاص والهضم!

لهذا كله، على العرب أن يعلنوا مقاربتهم الخاصة في هذا السياق، لتقديم أطروحة تاريخية مضادة لما يُقال ويُنشر حول الأقليات.

واستمرار التقصير في هذا المجال، يتيح لاستراتيجيات التفتيت والتفكيك أن تتنامى بلا أي مصدات أو عوائق!

عن صحيفة الخليج الإماراتية 
0
التعليقات (0)