حقوق وحريات

"الغزيون" في الأردن.. الحياة بين لعنة اللجوء وتضييق الحكومات

لاجؤون فلسطينيون في أحد مخيمات اللجوء بالأردن- تويتر
لاجؤون فلسطينيون في أحد مخيمات اللجوء بالأردن- تويتر
أعاد قرار الحكومة الأردنية فرض إصدار تصاريح العمل على شريحة أبناء قطاع غزة اللاجئين في الأردن تسليط الضوء على معاناة هذه الشريحة التي طالما طالبت بتخفيف القيود المفروضة عليها ومنحها حقوقا في بلد استضافهم منذ عشرات السنوات وصاروا بمثابة المواطنين فيه.

وكانت الحكومة الأردنية فعلت قبل أيام قرارا يقضي بإلزام أبناء قطاع غزة باستصدار تصاريح عمل ودفع الرسوم البالغة نحو 180 دينارا أردنيا بشكل سنوي في ظل ظروفهم المعيشية الصعبة قبل أن تتراجع وتكتفي بوجوب استصدار التصاريح دون دفع الرسوم بعد ضغط نيابي وشعبي باتجاه إلغاء القرار بالمجمل.

ويعني هذا القرار أن "الغزي" في الأردن سيعامل معاملة العامل الوافد الذي يتبع دولة أخرى وتقيد فرص العمل أمامه إلا بما يسمح التصريح في الوقت يعانون فيه الحرمان من العديد من فرص العمل بالأصل.

ويفرض الأردن العديد من القيود على أبناء قطاع غزة بدءا من حملهم جواز سفر مؤقت لمدة عامين لا يمنح إلا بموافقة أمنية، مرورا بصعوبات في العلاج والتعليم في الجامعات الرسمية والوظائف وليس انتهاء بالحرمان من تملك العقارات والأراضي بسبب حساسية ملفهم باعتبارهم لاجئين ولتجنب مخاوف التوطين، كما تقول الحكومة.

حرمان من العلاج

ويستعرض جمال عمرو، وهو أحد أبناء قطاع غزة، معاناته مع حرمانه من الحصول على إعفاء لعلاج ابنته المصابة بتشوه في الحالب وحاجتها لإجراء عملية قبل تضرر الكلى وفقدانها.

وأشار عمرو لـ"عربي21" إلى أنه لا يملك تكاليف العملية ولا يمكنه إجراؤها في مستشفى خاص، بالإضافة إلى عدم تمكنه من الحصول على إعفاء من التكاليف كونه من أبناء قطاع غزة ولايحمل رقما وطنيا.

ويقول عمرو (48 عاما) إنه يعيش في الأردن منذ ولادته، ويعتبر نفسه جزءا منه على الرغم من كونه لاجئا فلسطينيا يتمسك بحقه في العودة إلى فلسطين، مشيرا إلى أنه "لا يتبع دولة يمكنها التكفل بتكاليف علاج ابنته كما رعايا الدول الأخرى فيما لو طرقوا أبواب سفارات بلدانهم".

وعلى صعيد الوظائف، لا يجد أبناء قطاع غزة في الأردن مجالات عديدة للعمل، ويتجه أغلبهم منذ الصغر نحو المهن الصناعية كميكانيكا السيارات ومهن الحدادة والدهان والأعمال الحرة، لأن باب الوظائف الحكومية موصد أمامهم بدعوى أنهم لا يحملون الرقم الوطني، بالإضافة إلى التضييق الذي يلاقونه في الوظائف الخاصة أيضا.

متفوقة ولكن "غزية"

وتشتكي الشابة هالة، والتي حصلت على الامتياز في تخصص اللغة العربية، من انسداد أبواب المدارس الخاصة بوجهها كونها "غزاوية" كما يطلق على أبناء قطاع غزة في الأردن.

وتتحدث بمرارة عن قصة فصلها من المدرسة الخاصة التي بدأت العمل فيها عقب تخرجها مباشرة وكيف رأت فيها فرصة للتخفيف من أعباء الحياة عن عائلتها، إذ إن والدها مقعد ووالدتها تعمل في تنظيف البيوت لإعالة عائلة تتكون من ثمانية أفراد أغلبهم أطفال.

وتقول هالة إن المدرسة التي تقدمت لها وكانت تعرف أنها "غزاوية" وافقت على تشغيلها كمدرسة للصفوف الابتدائية بعد استعراض سجلها الدراسي في الجامعة وإبداء الإعجاب بها، مشيرة إلى أنها فصلت من العمل بعد ثلاثة أشهر بدعوى أن تعليمات جاءت للمدرسة بعدم تشغيل غير الأردنيين، خصوصا أبناء قطاع غزة.

وعبرت هالة عن تفهمها لقرار المدرسة التي أوضحت لها أن القرار كان رغما عنها لكنها لم تكن تملك خيار رفض فصلها وإلا تعرضت لمسائلات أمنية.

أملاك للغير

وغير بعيد عن قصة هالة، يقول صالح جمعة إنه عمل مدة 15 عاما في إحدى الشركات الخاصة، لكنه كان يعتقد في كل يوم خلال هذه المدة أن اليوم التالي هو الأخير له في العمل لكثرة المراسلات التي كانت تطلب من الشركة فصل أي عامل من أبناء قطاع غزة.

وأوضح جمعة أن مدير شركته كان متفهما لهذه القضية الإنسانية وكان يرفض فصلي من العمل كوني الوحيد من أبناء قطاع غزة ويعلم أن فصلي سيلقي بي وبأطفالي في الشارع.

وأضاف: "شعرت بمدى الضغوطات على صاحب العمل من إحدى الجهات التي لم يسمها وقررت بعد هذه السنوات الاستقالة والتوجه لعمل حر، فقمت بشراء باص صغير وقمت بتسجيله باسم زوجة أخي التي تحمل الجنسية الأردنية، كون أبناء قطاع غزة يمنعون من تسجيل أملاكهم بأسمائهم".

ويسلط جمعة الضوء على مشكلة أخرى تواجه أبناء قطاع غزة وهي الحرمان من تملك الأراضي والعقارات وتقييد تملك السيارات بالسيارات الخاصة فقط، بل ويمنع الشخص من تسجيل أكثر من سيارة واحدة فقط باسمه الشخصي.

وباستعراض قصص العديد من أبناء قطاع غزة الذين تواصلت معهم "عربي21" ورفضوا الإفصاح عن أسمائهم، أكدوا أن معضلة التملك في الأردن تؤرقهم ليل نهار، فجميعهم يمتلكون عقارات وأراض لكنهم لا يمتلكونها في الوقت ذاته، لأنها مسجلة بأسماء أشخاص آخرين ميزتهم الوحيدة أنهم يحملون رقما وطنيا.

ويشير "ج ع" إلى أنه يمتلك قطعة أرض في مدينة الزرقاء (شرقا)، لكنها مسجلة باسم ابنة عمه التي تزوجت من أردني قبل 10 سنوات وحصلت على الجنسية الأردنية بحكم القانون.

وقال إن "الدنيا حياة وموت وربما تتغير النفوس ويدب الطمع في نفوس الناس، وأنا أمام القانون لا أملك شيئا".

وأضاف: "الهم الذي يلاحقني ليل نهار هو الأرض التي دفعت تحويشة عمري لشرائها، لكنني فعليا لا أملكها وهي قانونيا ملك لشخص آخر من حقه التصرف فيها وبيعها متى رغب ولا حق لي في الاعتراض".

يشار إلى أن تعداد أبناء قطاع غزة في الأردن يبلغ أكثر من 700 ألف شخص حسب إحصاءات أردنية، يسكن غالبيتهم في مخيمات اللجوء الفلسطيني منذ عام 1967، والتي تفتقر إلى العديد من الخدمات وفي مستويات معيشية متدنية، ويعتمدون في العمل على المهن الصناعية والأعمال التجارية الحرة.

وتعتبر الحكومة الأردنية ملف أبناء قطاع غزة من الملفات المعقدة ويتم التعامل معها من البوابة الأمنية كونهم لاجؤون من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وهجروا إلى غزة ثم نزحوا إلى الأردن عام 1967 وصنفوا كلاجئين منذ ذلك الحين.

ويمنح أبناء قطاع غزة في الأردن بطاقات إحصاء لاجئين وهويات شخصية تصدر من وزارة الداخلية الأردنية بعد الحصول على موافقة أمنية، وكذلك جواز سفر مؤقت إجباري منذ سن 18 ولمدة سنتين ويتعرض من يتأخر في تجديده لمساءلة أمنية.
التعليقات (1)
المراقب
الخميس، 14-01-2016 12:18 ص
نظام مهترئ قائم على الظلم والفساد. اللهم وعدك الذي وعدت في أولئك الظالمين