كتاب عربي 21

عن "الثورة المسلحة" مرة أخرى

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
أي مجموعة يُتوقع لها أن تصبح قتالية، سواء في مصر أو في مكان آخر في العالم، ستكتشف فورا أنها في حاجة إلى تمويل. فالمقاتلون في حاجة إلى أسلحة وذخائر ومعدات، كما أنهم في حاجة إلى أماكن يتمركزون فيها، هذا بخلاف ما يحتاجونه من طعام وشراب، ولكنهم كما يبدو واضحا لا يستطيعون أن يحافظوا على أي وظائف ثابتة تضمن لهم تمويل أنشطتهم المسلحة.

فالصورة المثيرة والبراقة للمقاتل الأسطوري تنهار جاذبيتها فجأة، عندما ندرك أن هذه الاستراتيجية تعتبر عالية الكلفة على مدى الطريق.

الكفاح المسلح ما هو إلا دوامة لا تتوقف عن الدوران، ومع دورانها تستنزف المال. فبمجرد أن تخرج الرصاصة مع ضغطة الزناد لن يكون في إمكانك أن تستخدمها مرة ثانية، كما أن إعادة حشو سلاحك لن تكون بلا مقابل. وكما قال مايكل كولينز، قائد الجيش الجمهوري الإيرلندي: "الرصاصات لن تنمو على الأشجار!".

وسريعا تتلاشى وعود الحلول الفورية بفعل العنف المتولد، خاصة عندما يعلن هذا العنف عن الميزانية المفتوحة التي تضمن دورانه.

هذه الإشكالية ترسل حتما المقاتلين الطامحين للبحث وقرع الأبواب، وعليهم كل علامات التواضع والدعة ليبحثوا عن دعم مالي.

ولأننا نتحدث بطبيعة الحال عن أشخاص يتناولون الأمور بشكل مفرط في البساطة وبنفاد صبر، فسنجدهم يميلون للحصول على الدعم من الجهات الغنية، سواء كانت دولا أم أفرادا.

وهنا لا بد أن أذكركم بأن أسهل طريقة تعين السلطة للسيطرة على الحراك الثوري هي أن تقوم بتسليحه..

فعندما يأتي دعمك من الدول الغنية أو من رجال الأعمال الأثرياء أو من مشايخ الخليج، فإن عليك أن تدرك أنك تدعم مصالحهم لا قضيتك كما قد تتصور.

ونهمك اللانهائي للتمويل سيجعلك بمنتهى السهولة تبرر وتشرعن لنفسك استخدامك لهذه الأموال، متصورا أنه في إمكانك أن تستخدمها كيف تشاء بدون أن تسقط في مثالب التبعية، فتقول لنفسك إنك ستكون أكثر حيلة وذكاء منهم، بحيث أنك ستتغلب على دوافعهم في النهاية، وهي كلها مجرد تبريرات تجعلك تقبل دعمهم لك... لكنّ هذا هو منطق اليائسين لا منطق المتعقلين.

حركات العصابات المسلحة الناجحة لا تبدأ أبدا في شكل عصابات مسلحة، ولكنها عادة تبدأ كتنظيمات قاعدية شعبية..

هم يبنون دعم المجتمع المحلي أولا، ثم يطورون شبكاتهم بين السكان لتوفير الأماكن الآمنة وأعمال الاستخبارات، ثم تأتي بطبيعة الحال المساعدات المالية المقدمة من الأفراد والشركات الصغيرة. ثم تبدأ المقاومة المسلحة في نهاية المطاف بإجماع شبكات الدعم هذه. وهكذا يجب أن تكون الأمور بهذا الترتيب؛ لأن العنف - كما هو واضح - يزيد من الخطر ويهدد المجتمع.

إذا حاولت مجموعة القيام بأي نضال مسلح دون إجماع السكان المحليين؛ فسنجد أن السكان سينقلبون عليهم، وبصراحة هذا ما ينبغي أن يفعلوه.

لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يدافع عن حقوق الشعب بشكل مشروع، وأنه يكافح من أجل تحريرهم من الطغيان ويحاول أن يحميهم من الاضطهاد، وهو في الوقت نفسه يهمل وجودهم، بل وأسواء من هذا، هو يحتقرهم.

قد تقول: "ولكن الناس خائفون! سيخافون أن يُتهموا بتمويل جماعات مسلحة!". ولكن هذا الخوف مبرر جدا، والطريقة الوحيدة للتغلب على هذا الخوف هي أن تزرع فيهم القناعة بأن مجموعتك تهتم بصدق برفاهيتهم وأنك لن تحمل السلاح بدون موافقتهم ودعمهم، وأن لديك رؤية واضحة تظهر كيف أن العمل المسلح سينتصر في النهاية.

العمل الجاد والمضني للثورات هو شيء لا يمكن تجاوزه. فلا توجد أبدا طريقة مختصرة تغنينا عن بناء الدعم الشعبي. والنضال المسلح يتطلب جهدا أكثر (لا أقل) في هذا المجال. ولكن للأسف، أننا نجد أن أغلب الشباب المنجذبين إلى هذا المسار ينجذبون إليه من واقع نفاد صبرهم، فيكون نفاد صبرهم هذا هو المانع الذي يقف في طريق إنجاز الواجب العملي الذي يعتبر السبيل الوحيد المؤدي في النهاية إلى النصر.
التعليقات (1)
تحليل قيم
الثلاثاء، 12-01-2016 10:24 م
تحليل قَيِّمْ! شكرًا!