كتاب عربي 21

خدعة "اللحظات الفارقة".. وخرافة "الإسلام السياسي"

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
المسار الدائري للتاريخ لا توجد فيه أية انحناءات مفصلية! فليس ثمة مفاصل ولا أركان ولا زوايا في هذا المسار، أو على الأقل هكذا تكون الأمور، بينما نعيش فعليا عبر هذا المسار! ولكن ما يحدث هو أن المؤرخين يحددون فيما بعد ما يطلقون عليه مسمى "اللحظات الفارقة" في التاريخ، وهذه تكون عبارة عن الأحداث التي تمثل بداية، أو ربما ذروة ما سيصبح في نهاية المطاف تغييرا كبيرا من بشكل أو آخر. ولكن هذا كله لا يحدث إلا في وقت لاحق! أما بالنسبة لمن يعيشون الأحداث، فغالبا ما يكون هذا التغيير غير محسوس لديهم، بل في كثير من الأحيان يكون غير موجود.

أتذكر أنني عند بداية اعتناقي للإسلام، قيل لي إن انهيار الإمبراطورية العثمانية كان بمثابة كارثة مدمرة للأمة، وأن الحياة كما عرفها المسلمون منذ ألف عام قد توقفت بشكل مفاجئ ومأساوي، وقيل لي أن أتاتورك قد طمس الدين تماما من تركيا، وأن العالم الإسلامي بأسره قد وقع بين عشية وضحاها في هاوية البؤس والاضطهاد العلماني، وأن جنة الخلافة قد ضاعت من وقتها.

ولكن، في الحياة الحقيقية، لا توجد مثل هذه اللحظات التي "يتغير فيها كل شيء فجأة".

فبحلول عام 1924، كانت الإمبراطورية العثمانية بالكاد موجودة في أي طريقة تنظيمية هرمية حقيقية، وكان لانهيارها أثر عملي ضئيل جدا على الحياة اليومية للمسلمين في جميع أنحاء العالم. وقد استمر الأتراك الذين يعيشون في الريف، من جيل إلى جيل، يعيشون كما كان حالهم دائما؛ من العهد العثماني، ومرورا بعصر الكماليين، ثم عصر الانقلابات العسكرية، وصولا إلى عهد أردوغان اليوم. وينطبق الشيء نفسه على بقية العالم الإسلامي. فحقيقة الأمر هي أن الدولة بالنسبة لمعظم الناس ليست إلا لاعبا هامشيا في حياتهم.

لقد عشنا عبر أنظمة قمعية، وحكام ظالمين، وأجهزة قضائية فاسدة، وسياسيين جشعين، وأجهزة أمنية تعسفية، وما إلى ذلك طوال الوقت. أحيانا كانت الأمور أفضل، وأحيانا أخرى كانت أسوأ. ولا توجد أي صيغة لمنع هذه الدورة من الاستمرار، كما لا يوجد ترياق للحقائق الجوهرية للمجتمع البشري.

وتلك هي الكذبة التي تقع في جوهر الإسلاموية (أو الإسلام السياسي كما يطلق عليه)، وهي أحد الأشياء التي تجعلني غاضبا حيال هذا الأمر.

لقد ظللت أناظر وأثبت منذ فترة طويلة أن دور الإسلاميين ينبغي ألا يكون السعي إلى السلطة، بل يجب ألا يسعى أصلا "لتأسيس"دولة إسلامية أو "إحياء الخلافة"، ولا حتى أن يسعى لفرض الشريعة (أيا كان المقصود من هذا). إن نهاية الإمبراطورية العثمانية لم تستلزم اختراع أيديولوجية سياسية غرضها وقصدها هو استبدال الدين الفعلي ولكن هذا هو ما حدث، وقد ثبت أنه تطور كارثي أكثر بكثير من الحدث الذي عجل به. نعم، قلت كل ذلك. وكان اختراع أيديولوجية الإسلام السياسي كارثة أكبر للأمة الإسلامية من كارثة تفكيك الخلافة العثمانية، فقد قوضوا بهذا الفكر فهمنا للإسلام نفسه، وقاموا بتهجين وتطعيم العقيدة بهاجس "دولاني" سياسي تسبب بالضرورة في تطرفنا. وبهذا فقد جعلوا الخلافة ركنا سادسا للدين.

حقيقة الأمر؛ هي أن الهدي والتوجيه الإسلامي كافيان لمساعدتنا على مواجهة الانهيار السياسي، حتى مع الطغيان ومع الظلم، كما كانا دائما كافيين لمساعدتنا على التعامل مع قرون من الاضطرابات السياسية. وقد فهم المسلمون دائما واجبهم في "قول كلمة الحق" في وجه السلطان، وفي الأمر بالمعروف، وفي تقديم المشورة للحكام، وطاعة ما فيه طاعة لله وعصيان ما ليس كذلك، والعمل من أجل تحسين المجتمع. وقد فهمنا دائما أن المظاهر العملية لهذه الواجبات ستختلف تبعا للزمان والمكان والظروف.

ليس الأمر كما لو أن كل حاكم، منذ تنازل الحسن بن علي حتى عام 1924، كان تقيا وعادلا. ففي الواقع، نحن نتذكر الحكام العادلين والأتقياء، لا لشيء؛ إلا بسبب ندرتهم. فقد ظل المسلمون الصالحون يناضلون طوال حياتهم بطريقة أو بأخرى لتحسين الظروف، وتصحيح حكوماتهم، ومحاولة العيش وفق قيم الشريعة وأهدافها، دون القيام باستراتيجيات وتكتيكات تؤدي إلى اضطرابات أكثر مما تؤدي إلى منفعة. وهذا ما يفترض أن نقوم به الآن، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الإسلاموية أو الإسلام السياسي، إن كنا نصر على استخدام هذا المصطلح في هذا الغرض.

أنا أضمن لكم أن الإمبراطورية العثمانية قد ثابرت، وأنها إن كانت لا تزال موجودة إلى اليوم؛ فإن حياتنا لم تكن لتختلف بكثير عما هي عليه اليوم. فصعود قوة الغرب، وسيادة الولايات المتحدة، وصعود سيادة الشركات المتعددة الجنسيات، كلها أموركانت ستحدث لا محالة بها أو بدونها، وكان سيحدث نفس تأثير هذه الاتجاهات على مجتمعاتنا؛ وكنا سنتعامل تقريبا مع نفس الظروف الدقيقة التي نتعامل معها في هذه اللحظة.

لذلك، فمن وجهة نظري، أرى أن الوقت قد حان للإسلاميين أن يتوقفوا عن ذكرياتهم حول ماض مثالي لم يكن موجودا بالأمس، وعن مستقبل طوباوي لن يكون موجودا في أي يوم، ليبدأوا بدلا من ذلك في التعامل مع الواقع كما هو، بطريقة تتفق مع ما يقوله الدين فعلا. توقفوا عن تخيل وجود "لحظات فارقة" غيرت كل شيء، وتوقفوا عن التظاهر بأنه ستكون هناك مثل هذه اللحظات في المستقبل. فقط أنجزوا بطريقة عملية وضمن نطاق نفوذكم، ما يعين على تحسين مجتمعاتنا، لا أكثر ولا أقل؛ تماما كما فعل المؤمنون الصالحون من قبلكم.
التعليقات (8)
إبتهال
الإثنين، 08-01-2018 04:30 م
إن ما نسعى إليه ليس "ماض مثالي لم يكن موجودا بالأمس" بل ماض خطّ بأحرف من نور سطّر عزّ المسلمين ومجدهم لمّا استمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وحكّموا شرع الله فيهم فسادوا العالم..و سيعود المسلمون إلى عزّهم وسيعلّمون البشرية جمعاء السياسة بمعناها الشرعي الصحيح وسيكونون خير ساسة يرعون الشؤون في ظل دولة رعاية لا دولة جباية وفي ظل نظام الإسلام العدل لا النظام الرأسمالي المتوحش وسنعود خير أمة أخرجت للناس في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة..
أسامة علي سليمان
الإثنين، 08-01-2018 02:35 م
مصادر التشريع في الإسلام هي القرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى وإجماع الصحابة والقياس وهذه المصادر التي يجب أن ناخذ منها الأحكام الشرعية عند المسلمين، أما الواقع الذي يتكلم فيه الكاتب فهو ليس مصدر من مصادر التشريع عند المسلمين بل هو مخالفة ودفع لتغيير الإسلام ليتوافق مع الواقع الفاسد بدل أن يعمل المسلمون على تغيير الواقع الفاسد ليتوافق مع الإسلام.
سامر
الخميس، 04-01-2018 08:30 م
سيد بولسين ها قد تم اتهامك بالجاسوسية والعمالة، لا أحد يحاول أن يخرج رأسه خارج الصندوق، أو أن يحاول فهم ما يجري حوله، وفق سنن الله الكونية، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. كل الكلام عن مؤامرات خارجية، تستعمل مشجبا لتعليق الأخطاء الناجمة عن الجهل وعدم اتباع أسباب التقدم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مازن فقهاء
الخميس، 04-01-2018 06:29 م
واقعنا و اجتماع الدول الأكبر على حرب المسلمين حتى لا تقوم لهم دولة حقيقية، بينما يوافقون على قيام دولة يهودية، يحتم علينا القتال من أجل انشاء وحدة اسلامية حقيقية، سمها ما شئت، لتحمي المسلمين من انياب الكافرين.
غسان غلاينه
الخميس، 04-01-2018 10:12 ص
الزلمه بيستخدم نفس لغة الانظمة القمعية و بطانتها العلمانية مثل "الاسلاموية". الآن يواجه المسلمون حرب استئصال ولا مجال لاحسان الظن، بل يجب على كل متكلم أن يضبط طرحه الف مرة. لذا فإني اتهم الكاتب بأنه عميل استخباري غربي.