قضايا وآراء

التحديث الجديد لتنظيم الدولة

صهيب الفلاحي
1300x600
1300x600
ربما تكون أحد أهم رسائل تفجيرات باريس التي أراد تنظيم الدولة أن يوصلها للغرب بالدرجة الأساس؛ أن ساحة "جهاده ومقاومته" أصبحت لا تقتصر على العراق وسوريا فقط، وإنما على كل الأراضي في الولايات المتحدة والقارة العجوز.

العقد غير الموثق كتابيا بين تنظيم الدولة من جهة، والغرب من جهة أخرى، والذي ينص على فكرة "الاستقطاب والطرد"، استقطاب التنظيم لـ"الجهاديين" من الغرب، وفي الوقت نفسه تسهيل ذلك أو غض الطرف عنه من قبل الغرب وممارسة "الطرد"، يبدو أن هذا العقد قد تم الإخلال به ونقضه من قبل تنظيم الدولة.

وتنظيم الدولة بهذا التصور الجديد يلغي فكرة الاستقطاب التي حرص عليها في بداية إعلان "خلافته"، بعد أن استتبت له مساحة كبيرة من الأرض تفوق دولا مجاورة له، وبعد أن أصبح "مركز جذب" لشباب من كل الجنسيات، ولأسباب شتى تدعوهم للتوافد والمبايعة والانخراط تحت "ظل سيفه".

ولهذا بدأ تنظيم الدولة بالتفكير والعمل بنقل ساحة المعركة إلى أرض "الصليبيين"، وأن يشغل ويشاغل "العدو" في عقر داره، خاصة أن الأخير لا يملك إلا أن يكثف غاراته على ما يدعي أنها "أوكار داعش"، في حين أن دماء الأبرياء والمدنيين من العراقيين والسوريين هي الهدف الحقيقي لنيران تحالف لا يتضح صدقه بالحرب من كذبه في رسم خريطة جديدة.

والفكرة التي حرص عليها الغرب في أن تكون سوريا والعراق هي بيت الدبابير الذي يجمع "المتطرفين"، والمحرقة التي تستوعب كل من لديه فكر جهادي، لكي يأتي وينصهر فيها. وقاعدة "اقتل نفسك بعيدا عنا"، والتي حرص الغرب أن يُصدرها للعراق وسوريا، قد تغيرت.

هذا المخطط الغربي الذي ينفذ، ولكن بلا إعلان أو تبن، وهو تسهيل وصول "المتطرفين" إلى العراق وسوريا وتفريغ الغرب منهم، أدركه تنظيم الدولة بكل وضوح بل، واستثمره في بداية "التمكين"، أما الآن فقد تغيرت الإستراتيجية، وتم تحديث نظام تنظيم الدولة، بغض النظر عن من يصدر التحديث لأن النتيجة واحدة.

ابقَ في ساحتك

ربما تكون أهم التطورات على هذا التحديث الجديد هي؛ الرسالة إلى أنصار تنظيم الدولة في الغرب: "إبقَ وحاول أن تنفذ في ساحتك وبلدك، فأنت أعلم بها، ونحن ندعمك ونتبنى عملياتك".

بهذا التحديث الذي يعد انتقالة نوعية في فكر تنظيم الدولة، والذي يُبقي جنوده وأنصاره كخلايا نشطة تتحرك في الزمان والمكان المناسبين، سيربك الغرب، ويدخله في دوامة التوتر الدائم من أي هجوم مفاجئ، إضافة إلى استغلال التناقض بين أقوال الغرب وأفعاله التي ستبنى على ردود أفعال متشنجة ضد المسلمين هناك، واتهامهم والتشكيك بولائهم، وهذا سيتم استثماره جيدا من قبل تنظيم الدولة لإذكاء روح العنصرية، وتبرير أعمال "الإرهاب".

وفي هذا السياق، يأتي نشر تنظيم الدولة إصدارا يهدد أكبر مدينة أمريكية (نيويورك)، على الرغم من تقليل عمدة مدينة نيويورك بيل ديبالزيو؛ من شأن هذا التهديد، وأنه لا يوجد تهديدات إرهابية حقيقية أو محددة تستهدف المدينة، وأن السكان لن يتم ترهيبهم، وهم سيواصلون حياتهم بصورة طبيعية، وأن شرطة المدينة على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تهديدات، إضافة لتصريحات نائب مفوض شرطة نيويورك، التي تأتي لتقلل أيضا من شأن هذا الإصدار، خاصة عند ذكره أن "بعض لقطات الفيديو ليست جديدة"، لكن مع التاكيد على الرسالة من الإصدار "أن مدينة نيويورك تظل هدفا رئيسيا للإرهاب".

وكذلك الإصدارات الثلاثة التي نشرها تنظيم الدولة في اليوم نفسه، والتي تبارك هجمات فرنسا وتتوعد بالمزيد منها، والتي تشير إلى أسلوب "التفخيخ الانتحاري"، الذي ربما سيتم اعتماده بعد أن أشارت له إحدى الإصدارات.

تنظيم الدولة الذي هيأ لهذا "التحديث" في أسلوبه منذ مدة طويلة، بمخاطبة الغرب والشرق بلغاتهم وإيصال رسائله بوضوح لهم، يستثمر الآن هذا الإعداد والتجهيز المسبق.

تطبيقات غربية مساعدة لتحديث تنظيم الدولة

ربما أهم ما يساعد تنظيم الدولة في تنفيذ أهدافه هو التطبيقات التي سلكتها وتسلكها الدول الغربية في الفعل والممارسة.

فالإجراءات العنيفة ضد المسلمين في الغرب ستساهم في توليد ضغط سيستثمره تنظيم الدولة.

ووصول أحزاب معارضة لتواجد المسلمين ورفضهم؛ يعد أحد أهم التطبيقات التي ستساهم في دعم تنظيم الدولة.

كذلك منع العديد من الولايات في أمريكا، إضافة لبعض الدول الغربية، استقبال اللاجئين، سيصب بالضرورة في إذكاء هذا الصراع.

وقبل ذلك، كله تهجير الملايين من السوريين بسبب استمرار حكم نظام الأسد ومساهمة أمريكا والغرب في دعمه، أو عدم حسم الأمر، سيساهم في موجة غضب لا يستطيع أن يستثمرها أحد أفضل من تنظيم الدولة.
التعليقات (2)
فوز 2011
السبت، 21-11-2015 07:08 ص
أتعجب من هذا التحليل كيف يقفز تنظيم الدولة إلى الدول الغربية بينما الداعم الرئيسي لقتل الأبرياء والمشاركة المباشرة في عملية القتل إلا وهي إيران لماذا لا يتبنى التفجير هناك أم هناك مصالح بين إيران وتنظيم الدولة
أيمن عصمان ليبيا
الجمعة، 20-11-2015 10:33 م
أفضل ما قرأت في تفكيك ما يسمى بتنظيم الدولة ، شكرا سيدي الكاتب