مقالات مختارة

تحكيم نموذج تركيا الجديدة في السياسة الخارجية

ياسين أقطاي
1300x600
1300x600
لقد تبين بشكل واضح وصريح، أن نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، قد أراحت الشعب التركي. فعندما زرنا الحرفيين قبل الانتخابات، كنا نسمع كثيرا: "إذا لم يفز حزب العدالة والتنمية بحق تشكيل الحكومة منفردا في هذه الانتخابات، فهناك المئات من الحرفيين الذين سيغلقون أبواب محلاتهم"، وهذا الكلام نابع حتى من الحرفيين الذين لم يصوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية من قبل.

هذه الإفادات في الأصل كانت تشير إلى أن نتائج الانتخابات ستحمل مفاجأة كبيرة لصالح حزب العدالة والتنمية، على عكس ما كانت تظهره الاستفتاءات الشعبية حول نتائج الانتخابات.

لا شك في أن نتائج هذه الانتخابات، قد نتجت عنها راحة ورخاء كبيرين على صعيد السياسة الخارجية. كما أن هذه النتائج قد أثرت تأثيرا جوهريا على الكثير من الفئات التي ترقبت -عن قرب- الإعلان عن النتائج حتى أكثر من الشعب التركي نفسه.

إن مفهوم السياسة الخارجية، التي لعب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو منذ البداية دورا بارزا في تأسيسها، يعني ثورة نموذجية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

هذه الثورة، حاولت أن أعبر عنها من قبل بـالعودة إلى الحياة السياسية في سياسة تركيا الخارجية، أما الآن فإن الأمر أبعد من ذلك بكثير.

ونستطيع، من خلال النتائج الإيجابية والسلبية للسياسة، وبعد هذه العودة إلى الحياة السياسية، أن نتحدث عن التأثير الجدي والكبير لتركيا على السياسة العالمية. لذلك، فإن نتائج الانتخابات التركية ستحمل أهمية كبيرة ليس لتركيا فقط وإنما للعالم أجمع.

في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية، تم فتح المجال أمام تركيا لتصبح قوة عالمية وذلك عن طريق كسر قوالب النموذج السابق.

إن نتيجة انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، أكدت ثقة الشعب التركي في هذه المرحلة الحرجة بحزب العدالة والتنمية في إدارته للسياسة الخارجية، وخصوصا بعد تدهور الأوضاع في كل من سوريا والعراق.

أصلا، لم تكن وعود أحزاب المعارضة إلا عبارة عن نسخة مصقولة للنموذج السابق، حيث كانت السياسات المطروحة لحل الأزمات السياسة الخارجية تتراوح ما بين إدارة الظهر لمشاكل الشرق الأوسط وبين طرد اللاجئين السوريين خارج حدود البلاد.

نستطيع القول بأن تركيا، من خلال حزب العدالة والتنمية، الذي أخذ موافقة الشعب ستقف في وجه الأنظمة الانقلابية المستبدة التي لا تعرف حقا ولا إنصافا.

فعلى سبيل المثال، يمكن تقييم تصريحات رئيس مصر الذي وصل إلى السلطة عن طريق الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، والذي صرح بأن "الإخوان المسلمين هم جزء من مصر" على أنها نتيجة لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات تماما مثل اعتبارها نتيجة للتحالف التركي السعودي القطري.

في الفترة التي أثارت فيها الثورات العربية رغبة لتغيير السلطات، وإسقاط نظام الانقلاب بطرق ديمقراطية، كان هناك جدال كبير حول إمكانية أن تكون تركيا القدوة والمثال لدول المنطقة في هذا المجال.

لقد أثبتت تركيا أنها مثال يحتذى به في المجال الديمقراطي، ليس بفرض نفسها على دول المنطقة، وإنما بتجربتها الناتجة بعد مخاض على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

إن انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، أظهرت أن نموذج تركيا لا زال محط اهتمام الدول الإسلامية التي تعيش تحولا ديمقراطيا. حيث أن فرح الكثيرين بفوز حزب العدالة والتنمية ليس فقط في أزقة وشوارع تركيا إنما في العديد من الأماكن العربية، إن دل على شيء فإنما يدل على أن التجربة التركية ما زالت محط اهتمام الجميع.

إن أجندة السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية الفائز في انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، ستشهد ضغطا كبيرا جدا. حيث من المؤكد أن تكون سوريا على رأس هذه الأجندة.

لقد مررنا بفترة تكاثفت فيها العمليات الديمقراطية لتسوية الأزمة السورية على الصعيد الدولي. ويبدو أن، سنة 2016 ستكون فترة حرجة بالنسبة لسوريا.

فبالرغم من أن دعم روسيا وإيران يظهران أن نظام الأسد قوي، إلا أن تركيا وأمريكا وحلفاءها تعلن أنها ستقف في وجه أي صيغة للسلطة المؤسساتية التي يفرضها الأسد. الأمر الذي سيجعل حلول السلام والاستقرار في سوريا يستغرق وقتا طويلا.

إن التطورات التي يشهدها العراق باعتبارها منطقة أزمة قريبة، ستؤدي إلى حرب داخلية في هذا البلد شبيهة بتلك التي في سوريا وذلك خلال الفترة القصيرة القادمة.

المبادرات مستمرة منذ فترة طويلة من أجل بدء محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل من جديد، والتي تبدو من خلال تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حين قال "إننا نفكر بالانسحاب من الالتزام باتفاقية أوسلو"، أنها دخلت مرحلة جديدة.

وإن كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية سيحتاج إلى مساعدة تركيا لحل المشاكل في مناطق الأزمات في دول البلقان، على الرغم من أنها تبدو هادئة خاصة بعد أحداث كومانوفو.

لذلك فإنه يجب على حلفاء تركيا في الأطلسي مراعاة شروط الاتفاق بشكل أكبر في الفترة القادمة.

في هذا الإطار وكما سيطرت تركيا بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية على بعض الأحزاب الإرهابية كحزب حماية الشعب الكردي، فإن على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تحديد خط جديد للعلاقات مع تركيا وذلك من أجل مكافحة تنظيم الدولة في شمال سوريا.

فبعد التطور التاريخي للعلاقات بين تركيا ودول الأطلسي، أصبح من الضروري رسم طريق جديد للعلاقة بين هذه الأطراف.


(عن صحيفة يني شفق التركية- 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015- ترجمة خاصة لـ"عربي21")
التعليقات (0)