ملفات وتقارير

تونس.. هل تتجه الساحة السياسية نحو إعادة التشكل؟

أسس السبسي نداء تونس لنواجهة حركة النهضة- (أرشيفية) الأناضول
أسس السبسي نداء تونس لنواجهة حركة النهضة- (أرشيفية) الأناضول
راهن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، على إمكانية جمع أكثر قدر ممكن من التيارات الإيديولوجية والشخصيات الوطنية ورجال الأعمال خلال خطوات التأسيس الأولى لحزب نداء تونس الذي تصدر المشهد السياسي التونسي كقوة معدلة قادرة على إنهاء تفرد حركة النهضة بامتدادها الشعبي وتماسكها التنظيمي الذين برزت بهما في فترة ما بعد الثورة التونسية.
 
وقد انتهت مجهودات السبسي إلى ما أسماه "حزب الروافد الأربعة"، باعتبار أنه جمع في وعاء سياسي واحد شخصيات دستورية (نسبة للعائلة الدستورية وهي امتداد للنظام القديم) وأخرى ذات انتماءات يسارية، إضافة إلى عدد هام من رجال الأعمال والمُستقلين، مشكلا بذلك قوة انتخابية تمحورت رسالتها السياسية حول زحزحة حركة النهضة من على السلطة.
 
ومع نجاح الحزب في الظفر بالأغلبية البرلمانية، انطلقت أولى التجاذبات داخله خاصة فيما تعلق بتوزيع الحقائب الوزارية، ليتجلى ضعف مؤسساته التسييرية ولتكثر التساؤلات حول إمكانية نجاح الحزب في تنظيم مؤتمره التأسيسي موحدا بعد أن غادره المؤسس والذي كان ساهرا على تجميع مختلف التيارات.
 
وفي الحقيقة، حمل الصراع الداخلي عناوين مختلفة ليستقر في الأشهر الأخيرة على ثنائية اليسار الممثل في المكتب التنفيذي أو شق محسن مرزوق وشق حافظ قائد السبسي (نجل السبسي) وليشهد تصعيدا غير مسبوق مع انعقاد "مُؤتمر جربة" منذ ثلاثة أسابيع، الذي دعا له حافظ قائد السبسي دون الرجوع للمكتب التنفيذي ونجح من خلاله في إثبات دعم مختلف هياكل الحزب من وزراء ونواب وقيادات وسطى له.
 
ولم يكن اجتماع "جربة" آخر محطّات الصّراع الدّاخلي في الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، بل تواصل الأحد الماضي من خلال الاعتداء على العناصر الموالية للأمين العام للحزب ومنع عقد اجتماع المكتب التنفيذي الذي يعتبره أنصار حافظ قائد السبسي فاقدا للشرعية.
 
نتيجة طبيعية لمشروع سياسي هجين
 
وعند تفكيك هذا الصّراع المُركّب بين الشقين داخل نداء تونس، نخلص إلى جملة من التباينات 
 
1- صراع الإيديولوجيا
 
محسن مرزوق، الأزهر العكرمي، عبد المجيد الصحراوي وبوجمعة الرميلي هي شخصيات يسارية انتمت في بداياتها إلى تيارات اليسار المتطرف ما يجعلها في صراع إيديولوجي مع شق حافظ قائد السبسي الذي يعتبر نفسه دستوريا.
 
2- صراع السلطة
 
مثّل احتكار الشخصيات اليسارية للقيادة داخل نداء تونس رغم أن جسم الحزب وماكينته الانتخابية تكونت أساسا من أنصار النظام القديم أحد مذكيات الصراع الداخلي بين من يريد تثبيت المشهد الحالي وبين باحث عن إعادة تحديد موازين القوى.
 
3- الموقف من حركة النهضة وسياسة التّوافق
 
وعلى المستوى المضموني، يعد الموقف من حركة النهضة وحكومة التّوافق أبرز نقاط الاختلاف بين الشقين، حيث ينزع الشّق اليساري إلى فض هذه الشراكة والدفع نحو أقصى اليسار مُمثلا في الجبهة الشعبية بديلا، في حين يعتبر الشق الدستوري أن هذا التوافق هو موقف سياسي استراتيجي تحتاجه البلاد في وضعها الحالي.
 
في كل ما سبق، تسهل ملاحظة غياب تلك الأرضيّة المشتركة التي تحتاجها أي مجموعة بشرية لتحقيق الالتقاء حول مشروع موحد وهو ما تقره قيادات نداء تونس التي تعتبر أن حمى الانتخابات دفعت الجميع لتلبية دعوة قائد السبسي دون بذل الجهد اللازم لتحويل تلك الدعوة إلى مشروع سياسي جامع تحكمه مؤسسات قوية قادرة على إدارة الخلاف والاختلاف داخله.
 
هل تتجه الساحة السياسية نحو إعادة التّشكّل؟
 
وقد مثّل تكوين نداء تونس، بالشكل الذي أراده مؤسسه، جامعا بين مختلف التيارات الاجتماعية إحدى التجارب "التطبيقية"، التي راقبها مُختلف المتخصصين في العلوم السياسية في البلاد، فمآلات الأمور داخل الحزب والنجاح في الوصول به إلى محطة استقرار وثبات، قد تكون المؤتمر التأسيسي، والخروج به موحدا من عدمه، لا يمكن إلا أن تُساهم في إنشاء نظرية سياسية حول تجميع المُتناقضات في الساحة السياسية التونسية في عهد الديمقراطية.
 
وبحسب آخر الأخبار الواردة من قبة البرلمان، والتي تشير إلى تهديد 30 نائب من نداء تونس بالانسلاخ عن كتلة النداء و تكوين كتلة أخرى و تجميد عضويتهم من الحزب، حسب ما صرحوا به في مؤتمر صحفي عقد أمس الأربعاء، انتصارا لشق محسن مرزوق، وبالنّظر إلى الخبر الآخر الذي تم تأكيده أمس بخصوص طرد كل المُوظّفين المحسوبين على مرزوق من المبنى المركزي لنداء تونس، يبدو الوصول إلى حل وسط يرضي الجميع بات أمرا مستحيلا.
 
وانطلاقا من واقع الحال في حزب الرئيس، يبدو أن الساحة السياسية في تونس تسير نحو إعادة تشكّل حقيقية وشبه دائمة على أساس نظريّة السلالات السياسية الأصيلة بعد فشل محاولات الحصول على سلالات مختلطة هجينة، إعادة تشكل "ستُمايز" بين العائلات السياسية والفكرية وهو ما قد يكون مفيدا للديمقراطية الوليدة في بلد الثّورة.
التعليقات (0)