قضايا وآراء

حقيقة الخلاف بين الإخوان

عصام تليمة
1300x600
1300x600
لا أدري كيف انطلى على بعض الباحثين والسياسيين بسذاجة غير معهودة، أن الخلاف في مصر بين الإخوان المسلمين هو خلاف بين نهج السلمية ونهج الثورية الذي فهم منه تبني العنف أو العسكرة، وهو تصور وفهم وإن دل على السذاجة الفادحة في الفهم، فهو يدل على مغالطات كبرى، أود توضيحها هنا.

بدا للمشاهد أن هناك رأيين في الإخوان، رأي اختفى أصحابه لفترة من المشهد، ثم عاد بمقال، وتحرك ما، تحت دعوى الحفاظ على خط الجماعة وهو السلمية، وكأن توجها آخر أراد اختطاف الجماعة لخط العسكرة والتسلح، ولنتأمل سويا بكل حياد ما يلي:

للسلمية أدوات تجعلها ناجحة بقوة، وهي أربعة ملفات تدار بها، ملف في الداخل وهو الحراك بكل مكوناته وأموره، وهو ما يديره إخوان الداخل بلا شك. وثلاثة ملفات في الخارج مسؤول عنها إخوان الخارج، وهي: 1ـ إعلامي. 2ـ حقوقي. 3ـ سياسي. والمسؤول عن هذه الملفات والإجراءات طيلة عام ونصف منذ الانقلاب حتى بضعة أشهر مضت، هو هذا الفصيل الذي فجأة عاد للمشهد إعلاميا فقط، فماذا تم على يديه خلال هذه المدة في هذه الملفات الثلاثة المهمة للسلمية؟

 على المستوى الإعلامي، كان إعلام الجماعة أداؤه سيئ وضعيف بشهادة الجميع، وعلى المستوى الحقوقي الدولي، أخفق في معظم القضايا المرفوعة بالخارج، وأعطى الملفات لأناس لا علاقة لهم بالحقوق والقانون، وعلى المستوى السياسي، خرَّب علاقة الجماعة والحراك بكل الدول الداعمة له، بداية من جنوب أفريقيا، وانتهاء بقطر وتركيا، وهذا ما لا ينكره راصد لأداء الإخوان والحراك من داخل الإخوان وخارجهم.

هذا الإخفاق في أدوات السلمية جعل الشباب يكفر على الأرض بها، ظنا منه أنه لا جدوى منها، وأنه لا قيمة لها، فمن المسؤول عمليا عن كفر الشباب بالسلمية وضغطه للجوء للعنف؟ يقينا هو من أدار المشهد في هذه المرحلة بهذا المستوى السيئ، والذي كان (وِكْسَة) كبيرة بلا جدال. ومن كان سببا في المشكلة، يقينا لن يكون جزءا من الحل، فضلا عن أن يكون الحل ذاته. هذه نقطة علينا ألا نتجاوزها في الحديث حتى نفهم الحوار والجدال الدائر داخل الإخوان الآن.

ضغطت قواعد ومجموعات ضغط داخل الإخوان لإجراء انتخابات داخل مصر وخارجها، لتغيير من يدير المشهد، وتم ذلك، حسبما أعلن د. أحمد عبد الرحمن مسؤول المكتب المنتخب، وبدأت أدوات السلمية السالفة الذكر تعمل نوعا ما، ليس بالمستوى المنشود، لكنها بداية تنبئ عن رؤية، وهو ما تقتنع به القواعد في الإخوان: لن نعطي أحدا دعما أو تأييدا على بياض، من يعمل سيدعمه الصف، ومن يتخاذل سيتغير، بكل وسائل التغيير الشرعية داخل الجماعة.

فالخلاف الدائر الآن ليس كما فهمه الناس من خلال الإعلام وغيره، أنه خلاف على السلمية والثورية، كما أوضحت، وأزيد إيضاحا أكثر فأقول: لو أراد هذا التوجه إنهاء فكرة العنف، هذا عند افتراض وجودها، فسبل إنهائها فكريا سهلة، وليس بإصدار مقال للدكتور محمود غزلان فك الله أسره وأسر إخوانه جميعا، والذي لا يمثل أي مرجعية معتبرة لدى صفوف الإخوان من حيث التأصيل الشرعي، أو المرجعية التنظيمية، ليس تقليلا من شأن الرجل، بل هي توصيف لحاله داخل الجماعة حاليا، فليس الرجل فقيها إسلاميا حتى يعتبر كلامه فتوى شرعية يلتزم بها الإخوان، وليس للرجل موقع تنظيمي كمرشد الجماعة أو أحد نوابه مثلا.

كما أنه ليس من عادة الجماعة عند علاجها لأمر من الأمور الخطيرة كهذه، تعتمد على مقال عابر، فعندما نمت فكرة التكفير في السجون بين بعض الأفراد، تنادت جماعة الإخوان، واستكتبت فقهاءها وعلماءها، فكتبوا بإشراف مرشد الجماعة داخل السجن (أ. حسن الهضيبي) وكتبوا (دعاة لا قضاة)، متصدين بذلك لقضية التكفير، فهل عندما تنمو فكرة العنف داخل الجماعة، ولو من باب التفكير، وهي أخطر من قضية التكفير، تسكت مؤسسات الجماعة، ولا تصدر الجماعة فيها وثيقة واضحة، أو كتابا مؤصلا، يعالج هذه القضة الخطيرة؟!!

ألم أقل لكم إن الخلاف الدائر ليس خلافا بين السلمية والثورية بمعنى العسكرة، بل هو خلاف بين السلبية والثورية بمعناها الشامل، وليس العسكري، ليس الخلاف خلافا بين أيديولوجيا وأخرى، بل هو خلاف إدارات وإرادات، وصراع بقاء، ومحاولة العودة للمشهد، لفكر وأداء لم يعد الزمن ولا الصف الإخواني يتقبله بحال من الأحوال، بل تعالت الأصوات في وقت ما بمحاكمة أفراده، لكن منع من ذلك الظرف الحالي الذي تعيشه الجماعة، وأن علينا أن نلتفت لإنهاء الانقلاب وآثاره، ثم بعد ذلك نفرغ لحساب كل من أخطأ ومحاكمته.

(ملحوظة): ما ذكر في المقال ليس كل ما في الأمر، لكني فقط بينت ما يسمح به الظرف، حيث طلب الكثيرون مني التوضيح، لكني لا أستطيع حاليا البوح بأكثر من ذلك، وهو ما يكفي لتوضيح الصورة، خاصة للباحثين والسياسيين، ممن ولجوا هذا الباب دون سبر لأغواره، ووقوف على حقيقته.
التعليقات (5)
طارق عوض
الخميس، 11-06-2015 03:37 م
كان الله في عونكم جميعاً مقصرين ومعزولين ومغتربين ونشطاء وتريدون المحاسبه
طيور الجنة
الخميس، 04-06-2015 01:47 م
انا اتفق مع الشيخ تماماً فيما قال واود وبحكمة ان تعيد الجماعة حسابتها من جديد وفق الظروف التي تمر بها الجماعة قبل البلد فان وضعت يدها علي مواطن القصور استطاعت ان تقم مرة اخري واعتقد ان القيادات عليها ان تحتوي الشباب وتسمع لهم ولرويتهم جيدا ولاوينسوا ان موسسهم حسن البنا كان شابا في 22 من عمره واستطاع بفكره ومبادئه ان يؤثر في رؤي العالم للاسلام من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب عليكم ان تعيدو هذه المؤسسه العظيمة الي عهدها الاول الذهبي كي تستطيعوا تخطي التحديات والازمات والضباب الذي نعيشه الان وان كنت لا انتمي الي الاخوان من قريب او بعيد ولكن اؤئمن بفكر حسن البنا العقائدي وبهذه المؤسسة الباقية وان ارادو محوها فلن ولم يستطيعوا فالاخوان ليست اشخاص ولكن مذهب وفكر والله يثبتكم علي الحق المبين ونصره قريب.
مصرية وبس
الخميس، 04-06-2015 12:23 م
اتفق تماما مع المقال واضيف انه للاسف بسبب الخلاف الدائر الان يحاول طرف السلمية تشويه طرف اللاسلمية وهو بذلك يدمر الجماعة ويزيد من الضغوط المحيطة بها من انظمة مختلفة وشعوب ويفقدها تعاطف الاخرين بشيطنة الطرف الاخر واظهاره بصورة مغايرة للحقيقة وكانه ارهابي ويجب الجامه
ayah
الخميس، 04-06-2015 10:30 ص
اللهم عليك بالظالمين
قاهر
الخميس، 04-06-2015 10:15 ص
الخطر الحقيقي الذي يواجه الحركة الإسلامية هو الفجوة بين الأجيال. جيل يريد أن يتصدر المشهد مع أنه لم يفلح بأداء مقنع ،بمواجهة جيل يريد أن يواجه بأدوات عصره لا عصر غيره ،التي ليست بالضرورة تكون ملائمة لهذا العصر.هنا الخطر يكمن عندما يكون هناك تباين بين القاعدة الجماهيرية التي يقع على عاتقها عبء المواجهة على الارض و القيادة الغائبة عن الواقع فيقع خطأ التقدير الذي بالضرورة سوف يؤدي إلى اتخاذ القرار غير الصائب . كمان انه إذا كان هناك النية بالإصلاح لابد للحركة الإسلامية أن تتبع ما يعرف بخطة الخليفة لكل المواقع حتى تتسم بالمرونة الفعالة. Successor plan for each) (position) .لأن المواجهة طويلة و تحتاج إلى استراتيجية واضحة و مرنة تعدل حسب الظروف على الارض من أجل أن تكون المواجهة مثمرة .