قضايا وآراء

الإخوان بين وجوه الماضي وأشباح الحاضر

إسلام عبد الرحمن
1300x600
1300x600
%65 من قيادات الإخوان في مصر تغيرت والشباب الآن هم من يتصدرون المشهد، كان هذا أبرز ما قيل في لقاء الإعلامي أحمد منصور مع مسؤول المكتب الإداري "المستحدث" للإخوان المصريين في الخارج والحقيقة باستثناء الرقم 65%، فإن المضمون نفسه ما فتئ يتكرر على لسان قيادات الجماعة الذين فلتوا من سجون السيسي أو مذابحه. 

وبعيدا عن صحة الخبر من عدمه فإن الجانب الآخر أن الإعلام عنه لم يتم على لسان أي من الشباب المزعوم تبوؤهم للقيادة، لكن تم الإعلان عنه من خلال وجوه قديمة ألفها الناس وربطوها بتجربة الإخوان في مرحلة ما قبل الثورة وما بعدها، مرورا بعام الرئيس محمد مرسي في الحكم وحتى الإطاحة به في الانقلاب العسكري الدموي.

 وبعيدا عن تقييم هذه التجربة وأسباب فشلها أو إفشالها (وهذا ليس موضوع المقال)، فإنه صار من المستغرب استمرار الوجوه نفسها في التحدث باسم الإخوان وتمثلهم، خصوصا أن كثيرا منهم يتولون  الملفات نفسها التي كانوا يحملونها قبل الانقلاب. ونحن هنا لسنا بصدد ذكر أسماء معينة قدر ما يعنينا ويهمنا التركيز على الظاهرة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار وجود شريحة معينة من الشعب، (وهي ليست بالقليلة) خرجت أو تضامنت مع مظاهرات 30 يونيو التي كانت تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة.

 وسواء كان سبب وجود هذه الشريحة التضليل الإعلامي المكثف الذي سبق وصاحب المظاهرات، أو الأزمات التي تم افتعالها، أو حتى أخطاء الإخوان في تعاملهم مع ملفات الحكم، فإن هذه الشريحة تم شحنها بطريقة سلبية ضد الإخوان، وتم ربط الإخوان ذهنيا بالفشل والعجز (ولاحقا بحسن النية المفرط)، وهو ما أدى إلى إعطاء مظاهرات 30 يونيو (المخطط لها) مظهرا شعبيا، ساهم في دعم الانقلاب العسكري والتسويق له. 

تخيل أنك أحد هؤلاء المصريين من هذه الشريحة وقد أفقت بعد سهرة الـ 30 يونيو  على الحقيقة المرة التي تعيشها مصر الآن، وعلى أنهار الدماء وسحق الحريات ومطاردة الشباب وتبخر وعود التنمية، واستبدالها بإنجازات خارقة على غرار كفتة الجنرال .

 تخيل نفسك وقد أفقت من كل هذا واقتنعت بأنك كنت ضحية عملية نصب، ما زالت مصر تدفع ثمنها حتى الآن، فإن السؤال المنطقي هو ما البديل؟ هل يكون البديل هو العودة إلى الوجوه نفسها التي ارتبطت في ذهنك بالفشل والعجز مع سلسلة كاملة من الأكاذيب، روج لها وما زال يروج لها أبواق الأذرع الإعلامية؟ إن تمسك الجماعة بتصدر الوجوه نفسها والأشخاص نفسها للمشهد المعارض للنظام الآن، يقف حائلا أمام هذه الشريحة التي ندمت على دعمها لنصبة 30 يونيو، وبين انضمام هذه الشريحة لتيار معارض للنظام العسكري الإخوان على رأسه وفي القلب منه.

والحقيقة أن استمرار هذه الوجوه صار إشكالية يعاني منها الصف الداخلي للإخوان الذى اهتزت ثقة شريحة منه (خصوصا الشباب ) في " إخوانا اللي فوق"، وصار استمراره في الحراك الحالي المعارض والمقاوم للانقلاب نابعا من قضية المبدأ والعقيدة، وليس الثقة في حسن إدارة المشهد أو التزام حزبي أو فكري كما كان الوضع في السابق . 

وليس أدل على ذلك من تقسيم هذه الوجوه لوقتها بين كتابة مقالات لتأكيد ثوابت (لا يدري أحد من أثبتها ومتى)، أو إصدار تصريحات للخروج من الأزمة (من وجهة نظرهم) وبين إصدار بيانات وتوضيحات لهذه التصريحات والمقالات، في محاولات لاحتواء غضب واستنكار الشباب الإخواني أو المعارضين من غير الإخوان.

في العادة فإن الاحزاب والحركات السياسية بعد فترات الانتكاسات والهزائم والركود تلجأ لإعادة تسويق نفسها، وتغيير شكلها وضخ دماء ووجوه جديدة لاستعادة ثقة الناخبين والداعمين لها، ومنحها فرصة جديدة بعد الانتكاسات السابقة .

 ويحضرني هنا مثال حزب العمال البريطاني في تسعينيات القرن الماضي الذى عاش فترة عصيبة، ظل فيها أسير مقاعد المعارضة لمدة 18 عاما بعد هزيمته أمام حزب المحافظين، تحت قيادة مارجريت تاتشر لثلاث دورات انتخابية متتالية . الحزب قرر أواسط التسعينيات تصعيد وجوه جديدة لقيادة الحزب (أبرزها توني بلير وجوردن براون)، وسحب البساط من تحت الوجوه القديمة مع تغيير دستور الحزب وسياساته العامة (خصوصا ما يتعلق منها بالاقتصاد)، وتم إلباس الحزب ثوبا جديدا وتبنى شعارا جديدا مع اتباع استراتيجية جديدة للترويج الإعلامي  (للعمال الجدد)، الذي نتج عنها فوز الحزب  بانتخابات 1997 واستمراره في الحكم ثلاث دورات متتالية، حتى خفّ نجمهم  مع توابع حرب العراق والأزمة الاقتصادية العالمية. هذا مجرد مثال على ما صار عرفا داخل الأحزاب والحركات السياسية في المجتمعات الغربية المستقرة، وهو ما يجعل جماعة الإخوان في أمس الحاجة إليه وهي تخوض ليس فقط صراعا من أجل حرية الوطن وكرامته، ولكن صراعا وجوديا على استمرارها كأكبر جماعة إسلامية في مصر والشرق الأوسط .

إني بكتابة هذا المقال لا أشكك أبدا في حسن نية الوجوه القديمة، وقد عملت مع بعضها وشهدت مدى صدقهم وتضحياتهم، ولكن كما أن لكل مقام مقال فلكل مرحلة رجالها ولكل مشهد مكوناته التي يصلح ويستحسن بها.

وأخيرا عودة إلى تصريحات المسؤول الإخواني، فإن الشباب فعلا ربما بدأ بتولي بعض المسؤوليات في الجماعة، ولكن ما ليس معلوما إن كان هذا نتيجة لاعتقال ومطاردة قيادات الصف الأول والثاني، أم إنه نتيجة لقناعة داخلية داخل الجماعة بحتمية تولي دم جديد زمام الأمور،  وأيضا ليس معلوما إن كان هذا التيار الجديد يفرض سياسة جديدة في مواجهة النظام دون أي قيود، أم إنه ينتزع الصلاحيات انتزاعا من الحرس القديم في إطار عملية تدافع، وليس إحلالا وتجديدا كما يردد البعض.

وحتى يتم استبدال وجوه الماضي في الإخوان بوجوه جديدة تعبر عن طبيعة المعركة وثورية الصراع، فإن هذه النسبة التي ذكرها المسؤول ستكون معبرة فقط عن مجرد مجموعة أشباح لا نراها إلا على صفحات التواصل الاجتماعي؛ نعيا لشهيد أو صرخة طلبا لحرية معتقل.
  
التعليقات (0)