كتاب عربي 21

اعتراف: أنا أعارض من أجل المعارضة!

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
1-

عندما بدأت كتابة المقالات في جريدة الدستور أواخر 2008 كانت هناك جملة واحدة يحفظها المسؤولون وأعضاء الحزب الوطني ومؤيدو نظام مبارك وأسمعها منهم كلما جمعني بأحدهم مؤتمر أو ندوة أو لقاء: "انتوا بتعارضوا من أجل المعارضة".

كانوا يعتقدون دوما أنه لا أسباب حقيقية تدفعنا لمعارضة حسني مبارك، وأنه جنب مصر أزمات وحروبًا وويلات وأن تجربة العراق دليل على ذلك (احنا أحسن من العراق.. طلعت شغالة من زمان!) وأننا لا نعارض مبارك لأسباب موضوعية بل لأسباب شخصية ورغبة في الشهرة.

وقتها كنت أحزن جدا من اتهامي بالمعارضة من أجل المعارضة، وأعتبره سُبة، الآن أعتبر المعارضة من أجل المعارضة غاية وهدفًا.

2-

دخلت في حوار مع نفسي حول جدوى الكتابة في هذه الأيام، فمهما كتبت وعارضت وحللت وكشفت، لن يتغير شيء، ولن تتأثر السلطة، ولن تصبح حياة الناس أفضل، ولن يخرج الجدعان من السجون، ولن يفيق المغيبون من غيبوبتهم.

سألت نفسي: ماذا يفعل مقال أسبوعي حتى ولو أضفنا إليه مقالات معدودة أخرى على نفس الخط في مواجهة مئات المقالات المضادة وعشرات البرامج والفضائيات والصحف التي تحاصر المصريين وتقوم بمهمتها في غسل أدمغتهم على مدار الـ24 ساعة؟ وهل يمكن أن تغير هذه الكتابات في الواقع الذي نعيشه منذ 3 يوليو 2013 شيئًا؟

كانت إجابتي عن السؤال مُحبَطة ومُحبِطة وتدعو للتوقف عن الكتابة بل والتوقف عن السياسة نفسها، فما تأثير ما يفعله حزبان مثل مصر القوية والدستور وسط قائمة طويلة من الأحزاب الموالية للنظام أو الجبانة الخائفة من ظهور معارضتها للعلن؟ وما هو تأثير ما تفعله حركة 6 أبريل وبعض الحركات الطلابية وسط تيار جارف من الحركات التي ترعى النظام ويرعاها؟ الأمر برمته يدعو للإحباط، للانزواء، للانتحار.

لكنّ ضوءًا خافتا بدأ يظهر في آخر النفق شديد الظُلمة، إجابة مقنعة وشافية تعطي مبررًا مقنعًا للاستمرار، الإجابة تقول إنه يجب أن نعارض من أجل المعارضة، نعم، هذه الجملة التي كنت أرفضها في السابق هي الإجابة المثالية الآن، حتى وإن كانت مقالاتنا المعارضة لا تصل إلى آذان من يحكم أو مؤيديه فهي تحكي فكرة المعارضة نفسها من الانقراض وسط هذا التيار الهادر من التأييد والنفاق.

حتى وإن كانت مقالاتنا المعارضة لا تصل إلا للمعارضين، فإن تثبيت هؤلاء المعارضين وإشعارهم بأن هناك من يتبنى خطابهم ويتحدث بلسانهم هدف في حد ذاته، لأن بقاء هذه الكتلة مهم في هذه المرحلة لحين زيادة عددها في مرحلة لاحقة.

3-

عزيزي المعارض بالكتابة والقول والسياسة استمر، فإن النظام يخشاك وينفق أموالا طائلة، ويسخر ساعات بث متواصلة لتشويهك، ويضحي بسمعة نظامه القضائي أمام العالم لسجنك، صدقني، لو لم تكن مؤثرا لما رآك وما عاداك.

أنت عماد هذه الكتلة الحرجة التي يتحدثون عنها، هذه الكتلة التي لم يسحرها كذب الإعلام ولا تملق السلطة، وظلت ثابتة على موقفها مخلصة لثورتها في أشد لحظات الكرب والهزيمة، هذه الكتلة التي ستضمن عدم تحول أي ثورة قادمة إلى ثورة دموية وستتولى توجيه دفتها إلى الطريق الذي ضلته 25 يناير في المرة الأولى.

كلماتك التي تستصغرها هي التي تحمي هذه الكتلة من التآكل، هي التي تحُول بين آلاف الشباب وبين اعتزال السياسة أو الهجرة أو الانتحار، هي التي تبقى وتنتشر بينما مئات المقالات المؤيدة والمنافقة التي تمتلئ بها الصحف فراغاتها يوميا تُنسى قبل أن تُنشر، واسمك هو الذي يُذكر كاملا في حواراتها ويحفظونه كأسمائهم، أما أسماء مؤيديهم فلا يذكرون منها سوى "الواد يوسف"!

عزيزي المعارض بالكتابة والقول والسياسة استمر، فليس هناك بديل.
التعليقات (1)
اسامه المصري
الثلاثاء، 24-03-2015 05:21 م
صدقت يا تامر