كتاب عربي 21

عن الطفل والكلب والضمير

أحمد قاعود
1300x600
1300x600
فيديو بشع تداوله قطاع من مستخدمي التواصل الاجتماعي في مصر لعدد من الأشخاص يعذبون كلبا ثم يذبحونه، في منطقة الهرم بالجيزة، كفيل بالكشف عن حالة من التردي والانحطاط الإنساني انتشرت مع موجة 30 يونيو التي جاءت بانقلاب على القيم الإنسانية كلها، وليس انقلابا عسكريا على سلطة منتخبة فقط.

الفيديو البشع، الذي عرفت قصته فيما بعد أن مشاجرة حدثت بين صاحب الكلب وعدد من الأشخاص، تدخل الكلب فيها لمناصرة صاحبه وفاء له، كان الأبشع فيه أن اتفاقا للصلح جرى بين طرفي النزاع، انتهى إلى أن يقدم الكلب قربانا من صاحبه لخصومه، ويذبح بهذه الطريقة المأساوية، دون رحمة ورأفة.

قسوة المشاهد ومأساوية الحدث، وخيانة صاحب الكلب، استدعت إلى الذهن على الفور جرائم وحشية وقعت بحق بشر ينتمون لنفس العرق والوطن والدين، حرقت جثثهم وألقيت في أكوام القمامة من قبل سلطة همجية، لكنها لم تثر كم الفزع والتعاطف الذى ناله المشهد الرهيب لذبح الكلب.

فالضحايا المصريون، وهم شهداء الحرية لوطن طامح وبقوة لعزل تلك الفئة البعيدة كليا عن أي معايير وقيم إنسانية، كانوا جيرانا وأقارب وأصدقاء لأناس رقصوا على جثثهم وفرحوا لموتهم، بتوجيهات من دعاية نازية سوداء، لا تقل إرهابا عما فعله النظام العسكري بمعارضيه.

واقعة الكلب، صاحبها مقتل اثنين من المعتقلين السياسيين تعذيبا في أقسام الشرطة التابعة للنظام، أحدهما محام، تجاهلته نقابته والقائمون عليها، الذين صدعوا الرؤوس يوما ما بقضايا وهمية، وطالما رددوا شعارات من قبيل "كرامة المحامي"، لكن معارضي السلطة أيا كانت مهنهم، فإنهم لا بواكي لهم.

التعذيب الوحشي المستمر منذ 30 يونيو، وخرست أمامه كل الألسنة التي تاجرت بكافة القضايا، بدءا من سد النهضة، واحتكار الدين، وحرية الإعلام، وحقوق المرأة وحتى حمادة المسحول، لا يجد الآن من يوقفه أو يتصدى له، في بلد صار دستورها العبث، وقانونها هو قانون الغابة.

وليس أسوأ من جرائم النظام ونخبته، إلا إحالة الطفل محمد مجدي، وهو لم يكمل بعد عامه الثامن، إلى محاكمة عسكرية بتهمة تفجير محولات كهرباء، هذا الخبر الذى قد يعدّه البعض نكتة ثقيلة الظل، أو ادعاء من معارض للسلطة على خصومه، وقع بالفعل ليكشف أمام التاريخ أن مرحلة الانحطاط والتردي آخذة في الاتساع، بصورة لن يتمكن أحد من رتقها في مستقبل قريب، ولن تندمل جروحها في زمن يأمل قدومه.

واقعة الطفل المحال لمحاكمة عسكرية، وصوره التي يتم نشرها وهو يمسك بيده لعبة على هيئة دب، أعادت للأذهان أولئك الذين اتهموا جماعة الإخوان المسلمين بالعدوان على الأطفال، والمتاجرة بهم إبان اعتصام رابعة العدوية، عندما حملوا أكفانا للفت نظر العالم المتعامي، قصدا، عن عدة مذابح متكررة وقعت ضد ذويهم والمنتمين إليهم.

الواقعة المذكورة أثارت جوقة النظام وسدنته، للتنديد بها على اعتبار أنها ضد حقوق الطفل، وضد الأعراف والقوانين المحلية والدولية. هذه الجوقة، التي تحركت بأمر من أجهزة السلطة وقتها، هي ذاتها التي تعامت عن مهزلة تاريخية، بدأت عندما سمح رجل أمن لضميره أن يلقي القبض على طفل لم يبلغ الثامنة، مرورا بقبول رجل قضاء أن يجري معه تحقيقا من الأساس، وحتى إحالته لمحاكمة عسكرية.

وما بين واقعة الكلب المروعة وإحالة طفل إلى القضاء العسكري، وبينهما آلاف الحالات من الانتهاكات والجرائم الوحشية ضد الإنسانية، يثور التساؤل عن مستقبل الضمير المصري تحت حكم 30يونيو العسكري؛ إذ تحت "بيادة" هذا الحكم ظهر على السطح لأول مرة في التاريخ الحديث أن مصريا يقبل أن تمارس السلطة كل هذه الوحشية بحق جار له أو صديق وربما قريب، ويظل هو في صمته إن لم يكن يوجه الشكر لسلطة إرهابية تنتهك كل القوانين والأعراف.

والواقع يقول إن جرائم النظام العسكري وانتهاكاته المتتالية، وتأثير وسائل الدعاية التابعة له على المصريين، لن يزول أثرها قريبا بعد سقوط النظام، فعملية تقسيم الشعب، ونزع الضمير عن قطاع لدفعه لقبول القتل والتعذيب الوحشي، في مقابلة قطاع آخر، مصمم على التمسك بضميره، سيكون أثرها كبير، والتعامل معها لن يكون سهلا.
التعليقات (0)