كتاب عربي 21

نحن ومصر ومبارك.. 3 مشاهد من الجحيم

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
المشهد الأول (نهار – خارجي – مدينة المحلة الكبرى)

يقف عدد من أفراد الدفاع المدني يتقدمهم ضابط ويمسكون جميعا بعصي طويلة يوجهونها نحو قنبلة بدائية الصنع في محاولة لإبطال مفعولها، لا يرتدي أحد منهم الملابس المخصصة للتعامل مع المفرقعات، لا يمسكون بأجهزة للكشف عن القنابل ولا حتى بـ"مفك تست"، لا يتوقف المواطنون على مسافة مناسبة تحسبا لأي طارئ.

نجحت المحاولة على أي حال وظهر الضابط في المشهد التالي محمولا على الأعناق وفي يده القنبلة بعد تفكيكها، ولو كان هناك شيء إيجابي واحد في هذا الموضوع فهو مخاطرة الضابط والمجندين بحياتهم دون أي وسائل حماية أو كشف أو إبطال لحماية المنطقة ومن فيها من كارثة.

في مشهد سابق انفجرت قنبلة في عدد من الضباط والمجندين أمام جامعة القاهرة أثناء محاولة خبير المفرقعات تفكيكها ليسفر الانفجار عن استشهاد الخبير وإصابة عدد من المحيطين به حتى أن بعضهم فقد أطرافه، وأظهرت اللقطات المصورة قيام الخبير بالتفكيك دون ملابس واقية ووقوف عدد من أمناء الشرطة والمجندين على بعد أمتار من القنبلة دون أي مبرر.

حكم مبارك مصر 30 عاما ولم يوفر للدفاع المدني أي أجهزة تمكنه من أداء عمله، لم ينجح في تأسيس إدارة متطورة للكشف عن المفرقعات رغم مرور مصر بموجة إرهاب عاتية في التسعينات، لم يصدق أن هذا الجهاز يمكنه أن يفعل شيء سوى الوصول إلى الحرائق بعد أن يطفئها الأهالي بالجهود الذاتية، فأصبح الجهاز بدائيا في كل شيء بدءا من تفكيك القنابل مرورا برفع الأنقاض والحفاظ على من تحتها ووصولا إلى إنقاذ المحاصرين في الجبال أو بين الثلوج.

***

المشهد الثاني (نهار – خارجي – طريق الإسماعيلية)

من لوحة إعلانات ضخمة تدلى جثمان رزق فرج رزق صاحب الـ48 عامًا بعدما اختار فريدة للانتحار يضع بها المجتمع والسلطة أمام مسؤولياتهما، لا سبب مؤكد للانتحار، ربما فشل في توفير حياة كريمة لأسرته، ربما امتهن رئيسه في العمل كرامته، ربما ساءت نفسيته من مشاهد القتل والتدمير، لا يهم، المهم أنه أعطى رسالة للجميع أن بالأسفل شريحة كبيرة لا تهتم بالخلافات السياسية ولا المحاصصة الحزبية، لكنها تعمل في ظروف غير آدمية وتعاني فقرا يجعل الحياة عبئا ثقيلا لا ينتهي إلا بالموت.

عندما تولى مبارك رئاسة الجمهورية كان "رزق" صبيا في الثالثة عشرة من عمره، يتحدث مع زملائه في المدرسة عن أحلامه في امتلاك سيارة فارهة والزواج من فتاة يحبها وحلمه في أن يكون رجل أعمال ناجحًا، بعدها اصطدم بالواقع حيث لا مال ولا رفاهية ولا حتى كرامة، حتى السيارة التي ركبها كان فقط يعمل عليها باليومية، أضف إلى ذلك توسلات يومية للأمين حتى لا يسحب رخصته، وساعات تحت الشمس لاستخراج شهادة المخالفات، وجلسات طويلة مع شريكة حياته لتدبير نفقات الشهر.

"رزق رجل محدود الدخل وكان يعمل في أحد مصانع العبور قبل أن يتم الاستغناء عنه ضمن مجموعة من زملائه، الأمر الذى دفعه للانتحار، قالها اليوم جار الرجل الذي انتحر على لوحة الإعلانات، وغدا سيرسل أحد رجال الأعمال مندوبه إلى شركة الدعاية ليضع إعلانا لأحد منتجاته على تلك اللوحة مقابل مبلغ لو امتلكه رزق ما كان فكر في الانتحار.

لمبارك عشرات المساوئ، لكن أحد أهم مساوئه أنه جعل الحياة في مصر سلسلة متصلة من المعاناة، وجعل لحظات السعادة نادرة كندرة الدم في عروق مسؤوليها.

***

المشهد الثالث (ليل – داخلي – مبنى صحيفة نيويورك تايمز)

يأتي أحد الصحفيين برسالة مكتوبة بلغة عربية رديئة إلى رئيس التحرير بعدما وجدها رجال الإنقاذ في موقع غرق مركب هجرة غير شرعية، يدرك رئيس التحرير أهمية هذه الوثيقة التي يمكن وصفه بالتاريخية فيقرر نشرها على غلاف الصحيفة الأمريكية، وفي نفس اليوم كانت الصحف المصرية تتحدث عن نجاحات الرئيس الخارقة في المئة يوم الأولى من حكمه وإشادة العالم بحكمته وبطولاته.

لم يحظ الشاب بتعليم مناسب، ثم لم يحظ بعمل مناسب، ثم لم يحظ بمعاملة مناسبة، ثم لم يحظ بموافقة أهل حبيبته على الارتباط بها، لذلك كان قرار السفر ولو بطريقة غير شرعية القشة التي تعلق بها فغرق، مات؟ ومن قال إنه كان حيًا؟ نجا؟ ومن قال إنه ليس ميتًا؟
ليس أكثر إجراما من مبارك إلا الذين يتحسرون على أيامه، فلولاه ربما كنا وجدنا فرصة للحياة.
التعليقات (1)
abdallah faysal
الأحد، 28-09-2014 12:56 م
رائع كالعادة ... احييك