كتاب عربي 21

تجريم الفكر

محمد بن صقر الزعابي
1300x600
1300x600
هي عادة نشأ عليها البعض، وخصوصا من تربى في ظل سلطة لا ترى سوى شخص واحد ورأي واحد، سلطة تتمثل في شخص رأيه سديد ولا رأي ثانيا يخالفه ومكانته مقدسة وتعلو على المقدسات في كثير من الأحيان، تخضع له الرقاب، والأنهار تجري من تحته، قد تعصي الإله لكن جزما لا تستطيع مخالفته في مسألة اجتهادية. 

هكذا فرضت علينا أنظمة مستبدة فكرة التوحيد لها فلا تستطيع مخالفتها حتى لو نزل وحي من السماء يؤيدك، تفكر وتقرر وتنفذ وأنت آخر من يعلم، ثم ينزل الإعلان التلفزيوني في سهرة المساء تمجد المشاركة والمشاورة والتواصل والتلاحم، نعم شركاء في الأوطان!

شركاء فيما يسمح لنا فيه من مساحات أو مناقشة قرارات أو حتى القبول بمسلمات الدين أو إنكارها أو بالتجاهل عما يخالفها، فالحرام لا يصبح حراما إلا عندما يقرر ولي النعمة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يؤخذ منها دينه وتقواه وزهده ورحمته وكرمه وشجاعته وعدله؛ بل تؤول إلى تمجيد ذلك المجرم الذي يجلد الظهر ويأخذ المال بالظلم والبطش في خروج عن كل ما صح من احترام الحرية والحقوق والعدل بين الناس. 

يمارسون التناقض مع أنفسهم قبل الناس، لكنهم تعودوا على الكذب الذي يبيحه السلطان ويحلله المنافقون من سحرة الإعلام ورجال صناعة الصورة المزيفة والعلاقات التي تغير كل المعادلات. 

ثم يريدون منا أن نصدق أننا في نعيم الحياة عندما نتخلى عن عقولنا لإن صاحب العقل في شقاء ومن ترك الحكومات تفكر عنه فهو في نعيم وراحة العقول الناضجة التي تفكر وتقرر وتهب وتمنع وترى المصلحة التي لا نراها. 

العقل نعمة وتركه نقمة على الإنسان وعلى الأوطان، والفكر ليس جريمة فهو من أساس خلق الإنسان أن يكون صاحب عقل لديه فكرة كمخلوق فضله الله على باقي المخلوقات لصناعة التميز والرقي بهذه الحياة.

أما تمثيل دور محاكم التفتيش من قبل الحكام وحكوماتهم على عقول البشر بقصد منع الناس من إبداء آرائهم أو حتى معرفة حقوقهم أو نقد تصرفاتهم للتمييز بين الحق والباطل والصح والخطأ، فهو جريمة بكل المقاييس يشترك فيها كل من يصمت عنها. 

وعندما يصمت العقل عن التفكير ويصبح خاويا من أية فكرة تميزه كإنسان، فقد أمتنع عنه التكريم الذي كرمه به رب العالمين الذي جعله خليفة في الأرض كفرد وليس تابعا لا يعي ولا يفقه سوى ما يراد له، فاحترموا عقول البشر يا أصحاب السلطان فقد تحررت العقول من عقالها منذ أن ساوى الإسلام بين السيد الذي يرى نفسه صاحب المكانة والعبد المملوك الذي لا يملك رأيا في حضور سيده بل هم سواء ويرتفع الإنسان بعلمه وعمله.

أما من استغنى عن عقله وتخلى عن التكريم الالهي فليس لنا به شأن  ولا دواء يصلح معه نسأل الله العافية.

الخلاصة: تجريم الفكر مدرسة فاشلة لم ينجح بها أحد.
التعليقات (0)