كتاب عربي 21

في غياب الرأي الآخر

محمد بن صقر الزعابي
1300x600
1300x600
يتحدث البعض بمثالية عن بعض ما يعتبره إنجازات ليس لها مثيل، وأنه ليس هناك أبدع منها في ظل الإمكانيات المتاحة؛ إن هذا الحديث في غياب الرأي الآخر أو الرأي الناقد بموضوعية على الأقل لأي برنامج أو عمل تقوم به جهة ما أو "مسؤول ما منزه عن النقد" هو بمثابة التضليل المتعمد للحقيقة.

إذ أنه في ظرف غياب حرية التعبير والرأي الآخر يبقى كل شيء ممتازا ولا شئ يستحق التعليق أو الإضافة أو التحسين، لأن صاحب الفكرة لا يُنتقد وبالتالي فكرته لا تنتقد من باب أنها تسمو بسمو صاحبها لا بقوتها أو تميزها لذاتها.

لذلك تجد الكثير ممن يهاجمك بدون سبب سوى أنك انتقدت فكرة الشخص الذي يبجله أو يضعه في مقام عال غير قابل للنقد، وهذا أحد مؤشرات الضعف للتابع والاستبداد للمتبوع؛ التي تبدأ بإسكات الرأي المخالف ثم تنتهي إلى ما هو أكبر حسب ما تزينه أهواء من يتسلقون على أطراف هذا الكرسي أو تلك الخزانة.

وتنمو طفيليات في مثل هذه البيئة غير الصحية وفي مثل هذه الأماكن، لأن الطبيعة البشرية تحتاج إلى من يوجهها بأدوات وأساليب تناسبها وتحميها من شرور أنفسها وانزلاقها خلف العجب بالنفس، وتحميها من شرورها على الآخرين عندما تتقمص دور الذي لا تنتقد أفكاره ولا يعلى عليه فيصبح لا يُري الآخرين إلا ما يرى.

لذلك فإن الآراء والمشاريع لا تنضج في غياب التنوع الطبيعي للبشر من رأي ورأي مخالف يصحح خطأه أو يقويه أو يطوره أو يأتي بشيء جديد لن يتوصل اليه وحده، لأن العقول الفردية تبقى عاجزة وتقويها عقول الآخرين الذين يؤسسون جزءا من منظومة كاملة في التطوير.

فلا تعتبر رأيك ليس قبله رأي ولا تعتبر رأي غيرك ليس بشيء.
ولا تساهم في نفخ بالونة الخديعة التي عندما تنفجر لن تحطم سوى وجه من ينفخ فيها حتى يزينها للآخرين؛ ومن جلس فيها وأعجبه انتفاختها ومن وضع نفسه في موضع المتفرج دون إبداء رأي يحترم فيها عقله الذي وهبه الله إياه، فتكون الكارثة ماحقة للجميع لا تفرق بين من صنع ومن صفق أو حتى من لم يعجبه ولكن هز رأسه مسايرةً للتيار.

لذلك لا بد لمن أراد الريادة والقيادة أن يسمع ويحاور حتى يصل إلى الأفضل دون تعصب أو إقصاء، وهكذا هم أصحاب العقول الكبيرة الذين يرتقون ويكبرون بعقول الآخرين ولا يحجمونها فيصغرون. 


0
التعليقات (0)