قضايا وآراء

تونس ورئاسية 2024: "بقاء أو فناء"؟.. و"ظاهرة" منذر الزنايدي (1-2)

بحري العرفاوي
هل يرفض سعيد تسليم السلطة لمعارضيه إذا فاوزا في الانتخابات؟- الأناضول
هل يرفض سعيد تسليم السلطة لمعارضيه إذا فاوزا في الانتخابات؟- الأناضول
1- الانتخاب أم "التسليم"؟

تنتهي عُهدةُ الرئيس الحالي قيس سعيد في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بناء على استحقاقات انتخابات 2019، ويُنتَظر أن يحل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في تونس بين شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر من العالم الحالي.

وفي انتظار ذلك تشهد البلاد سُخونة سياسية وقضائية وإعلامية تدفع التونسيين للتساؤل حول إمكانية حصول انتخابات، وحول إن كان قيس سعيد سيتقدم للترشح أم سيُرشّح غيره ممن يأتمنه على ما يراه مشروعه السياسي، وهل ستتفق المعارضة على التقدم لتلك الانتخابات بمرشح تتفق عليه أم ستدفع عُقدة الزعامة بالجميع إلى التقدم منفردين لنيل ثقة التونسيين في أعلى موقع سياسي في الدولة؟ ولعل السؤال الأهم هو حول "ظاهرة" منذر الزنايدي.

قيس سعيد ذكر مرة أن الانتخابات الرئاسية ستُجرَى في موعدها، وقد فهم المتابعون بأن موعدها هو نهاية المدة القانونية المنصوص عليها وهي خمسة أعوام.

ربما لم يكن قيس سعيد يتصور أن معارضيه سيفكرون في الرئاسة، لذلك كان مطمئنا بأن المقاطعة التي اختارها خصومُه في الاستفتاء وفي الانتخابات البرلمانية وفي مجالس الجهات ستستمر، وسيجد نفسه مرشحا وحيدا لـ"مسار 25 جويلية (تموز/ يوليو)" ولن يُشاكسه أحد.

خامرت المعارضة فكرة سياسية ذكية، بقولها إنها فكرة لا تتعارض مع مبدئها، إذ تعتبر ما حدث يوم 25 تموز/ يوليو 2021 انقلابا ومن ثم فكل ما يترتّب عنه باطل، في حين أن موعد الانتخابات الرئاسية قد سبق أن حدده دستور 2014، أي دستور الشرعية، وهذه الفكرة لاقت قبولا ورفعت حرجا لدى أغلب القادة السياسيين، ورأوا فيها فُرصَة ثمينة وممكنة لإسقاط الانقلاب

ولكن حين خامرت المعارضة فكرة سياسية ذكية، بقولها إنها فكرة لا تتعارض مع مبدئها، إذ تعتبر ما حدث يوم 25 تموز/ يوليو 2021 انقلابا ومن ثم فكل ما يترتّب عنه باطل، في حين أن موعد الانتخابات الرئاسية قد سبق أن حدده دستور 2014، أي دستور الشرعية، وهذه الفكرة لاقت قبولا ورفعت حرجا لدى أغلب القادة السياسيين، ورأوا فيها فُرصَة ثمينة وممكنة لإسقاط الانقلاب.

المعارضة التي بذلت جهدا كبيرا في محاولة الضغط على سلطة قيس سعيد لإجباره على العودة إلى المسار الديمقراطي، لم تستطع حتى تعطيل سرعة تنفيذه لمشروعه وإنجازه لمحطاته الانتخابية، وتنزيله لبعض تصوراته حول الحكم القاعدي والشركات الأهلية والأقاليم.

بعد ثلاثين شهرا من محاولة التصدي للانقلاب، تجد المعارضة أغلب رموزها في السجن دون محاكمة ومهددة بأحكام مُشددة رغم خلوّ ملفاتها من أي تهمة معللة، ما عدا "شبهات" أو تقارير يراها المحامون "مُضحكة".

ولعل قيس سعيد قد تفاجأ بفكرة المعارضة الذكية، أي المشاركة في الانتخابات الرئاسية على قاعدة دستور 2014 الشرعي، وهذا ما جعله يردّ أكثر من مرة بأسلوب فيه غضب واتهام للمعارضة بالتناقض وبالطمع في السلطة، يسأل لماذا قاطعوا الانتخابات السابقة ويريدون المشاركة في الرئاسية، ليستنتج أنهم يريدون الوصول إلى الحكم.

استنتاجه منطقي، أنهم يشاركون في الانتخابات الرئاسية للوصول إلى الحكم، بل للإطاحة به أصلا، والسؤال هو: ما العيب في أن تكون المعارضة تريد أن تحكم؟ وهل من هدف للأحزاب السياسية غير الوصول إلى السلطة لتنزيل مشاريعها في تسيير شؤون الدولة وحياة الناس؟ وهل ثمة ما يمنع المعارضة من معارضة الرئيس طالما التزمت السلمية ولم تخالف القانون ولم تحرّض على العنف ولم تستعمل أساليب غير مدنية؟

بدأ الرئيس في شن مزيد من الحملات ضد معارضيه يتهمهم بالعمالة والخيانة وبالفساد، ويحرض عليهم القضاء ويستعجل الحكم عليهم قبل انتهاء المدة القانونية للإيقاف، وحتى بعد انتهاء المدة لم يتم إطلاق سراحهم في انتظار إحالتهم يوم 2 أيار/ مايو القادم.

في زيارته لضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بالمنستير السنة الماضي، قال قيس سعيد إنه لن يسلم الدولة إلا للوطنيين، وهو تصريح يُفهم على أنه موقف حاسم من كل الطبقة السياسية التي اعتبرها فاشلة أو حتى فاسدة، كما إنه تصريح يُحيل إلى رؤية تشتغل خارج المعايير الديمقراطية التقليدية، فالأمر لن يتمّ عبر الصندوق المفتوح للعموم، وإنما عبر عملية "التسليم" بطريقة ربما سيتم التفكير فيها لاحقا.

2- قضية بقاء أو فناء

مرة ثانية وبمناسبة زيارته لضريح الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير في الذكرى 24 لوفاته، يوم 6 نيسان/ أبريل 2024، وحين تحدث عن الانتخابات قال قيس سعيد: "المرشح يجب أن يكون مُزَكّى من قِبل التونسيين ومنتخَبا من قِبل التونسيين وحدهم، وليس من قبل أي جهة أخرى، اليوم نحن نخوض حرب وجود، ولا أبالغ، حرب بقاء أو فناء..". فالمسألة بالنسبة لقيس سعيد تتجاوز كونها مجرد عملية سياسية لتحقيق التداول السلمي على السلطة عن طريق آلية الديمقراطية التقليدية وهي الانتخابات، المسألة إذا هي "حرب وجود" ولا خيار فيها إلا "البقاء أو الفناء"، وفي معارك الوجود تُستخدَم كل الوسائل لإ"إفناء" الخصم، ولمنعه من "إفنائنا" إذ لا أمل في تعايش أو تقاسم مساحة الوجود.

هذا التصور للمعركة السياسية عند قيس سعيد هو تصور خارج تقاليد السياسة وخارج فلسفة الديمقراطية، إنه تصور يقوم على مبدأ "الحسم" حيث تكون كل الوسائل مشروعة لمنع من يراهم أعداء الدولة من العودة إلى المشهد السياسي وللتحكم في مصير البلاد ومستقبل الأجيال، لأنهم بنظره "عملاء" و"خونة" ولأنهم حاولوا "تفجير الدولة من الداخل".

التصور للمعركة السياسية عند قيس سعيد هو تصور خارج تقاليد السياسة وخارج فلسفة الديمقراطية، إنه تصور يقوم على مبدأ "الحسم" حيث تكون كل الوسائل مشروعة لمنع من يراهم أعداء الدولة من العودة إلى المشهد السياسي وللتحكم في مصير البلاد ومستقبل الأجيال، لأنهم بنظره "عملاء" و"خونة" ولأنهم حاولوا "تفجير الدولة من الداخل"

وفي عملية سدّ كل أبواب التأويل والفرضيات أو الشائعات، أكد قيس سعيد مرارا على أنه لا عودة إلى الوراء ولا حوار على طريقة 2014، فالحوار لا يكون إلا من خلال مؤسسات الدولة، وهو ما يعني أن من أراد التحاور فعليه الاعتراف بمسار 25/21، وعليه طرح وجهة نظره عن طريق ممثلي "البناء القاعدي"، وليس عن طريق مقابلة رئيس الدولة كما حصل مع الباجي قائد السبسي في 2014.

ما الذي يمكن أن تفعله المعارضة تجاه هذا الموقف "الحاسم"، موقف يرفض "تسليم" الدولة لسياسيين ليس لديهم إلا خيار الانتخابات؛ يحتكمون إلى الشعب ويعبرون عن معارضتهم لكل الإجراءات غير الدستورية ولكل المحاكمات غير العادلة، بأساليب سلمية؟

إننا إزاء رئيس يتعامل مع خصومه على قاعدة "الغلبة"، وهو يعلم أنهم غير قادرين على "مغالبته" لكونه يمتلك أجهزة الدولة ولا يمتلكون إلا خطاباتِهم ومواقف مساندة من جمعيات حقوقية أو بعض من النخبة الثقافية والإعلامية.

3- "ظاهرة" منذر الزنايدي

لماذا وصف ظهور منذر الزنايدي بـ"ظاهرة"؟

عادة كل أمر مفاجئ وغير متوقع وقابل للدراسة والتحليل والبحث في الأسباب هو "ظاهرة"، وما من ظاهرة إلا ولها شروط ظهورها وقوانين استمرارها أو زوالها، وهنا يكون من الضروري بذل قدر من الجهد العقلي في محاولات الفهم، فلا يكفي تجاهل الظواهر أو تحقيرها حتى تزول، إن الكسل الذهني وضيق الصدور هما اللذان يجعلان كثيرا من الناس يتجنبون بذل أي جهد عقلي للفهم والتحليل، فيكتفون بالمشي على ظلّ كيانات موجودة في الواقع ويتوهمون أنهم بدوس ظلها قد أعدموها.

إن كثيرا من "الظواهر" تبدأ بسيطة ويكون مقدورا على التحكم بها ومنع تحولها إلى حقيقة متحكمة في حياة الناس، ولكن الطرائق الضعيفة في التعامل معها هي التي تحولها وبسرعة إلى "وضعية" أو إلى "مُعطى" يصعب بعدها تجنب تأثيراتها.

من يدخل الحساب الخاص لمنذر الزنايدي على الفيسبوك يجد أنه منذ سنوات كان يكتفي بتدوينات قصيرة للمعايدة أو للنعْي، ثم  فجأة كان منه أول "بلاغ للرأي العام" بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2024، جاء فيه موقف سياسي وتقييم للمشهد العام وتعبير عن استعداده لخدمة البلاد، ثم كانت رسالته إلى الرئيس قيس سعيد بتاريخ 19 آذار/ مارس، وجّه له فيها نقدا ونصائح في آن، وقد ردّد في رسالته ست مرات "لا تكن" منبّها إلى ما يراه من سلبيات في سياسات قيس سعيد.

ثم انتقل منذر الزنايدي منذ 8 آذار/ مارس إلى طريقة جديدة في مخاطبة التونسيين وهي طريقة الخطاب المسجل عن طريق الفيديو، وقد بلغ لحد الآن أربعة فيديوهات.

وما يمكن ملاحظته في "ظاهرة" منذر الزنايدي هو التالي:

- اختياره وقت "الذروة السياسية" لاقتحام المشهد وعرض نفسه على التونسيين كبديل.

- حرصُه على إبراز تمايزه عن بقية السياسيين وخاصة عن سياسة قيس سعيد، سواء في إدارة الأزمة الاجتماعية أو في تعامله مع معارضيه أو حتى في كيفية مخاطبته للتونسيين.

- حرصه على تقديم خطاب مطمئن لكل التونسيين، بعيدا عن قاموس التخوين والشتائم والتهديد و"التطهير"، ودعوته كل التونسيين للتعاون من أجل إنقاذ بلادهم.

- خطاب بث الأمل، وبعث الثقة في التونسيين بقدرتهم على تجاوز الأزمة في ظرف سنتين فقط.

- وجود مقبولية واسعة لخطاب منذر الزنايدي كما تكشفها التعليقات ونسبة المشاركة "برتاج".

تساؤلات حول الظاهرة:

- لماذا الآن؟ رغم تأكيده في واحد من فيديوهاته بكونه ليس طارئا على المشهد وكونه ظل حاضرا وفاعلا بطريقته.

بات واضحا أن البلاد دخلت مرحلة الترتيبات للمرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد نهاية عُهدة قيس سعيد الحالية، سواء فاز هو بالانتخابات القادمة أو فاز غيره. هذه الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي

- ما سرّ هذا الظهور "القوي" مقارنة بسياسيين آخرين لهم تاريخهم النضالي وتجربتهم السياسية؟

- ما سرّ هذا الانتشار "الواسع" وهذا الانطباع الإيجابي -عموما- حول خطابه بل حول شخصيته، رغم ما يجده من اعتراض على تاريخه السياسي كونه واحدا من وزراء نظام بن علي؟

- هل فعلا تقف خلف ظهوره جهات أجنبية في إطار عملية "استبدال" من داخل النظام نفسه وضمن خطة لمعالجة الأزمة دون تصدعات ودون تأثر مصالح الأطراف الخارجية؟

- ما سبب التحول الكبير في مواقف بعض داعمي مسار 25/21، ليصبحوا منتقدين لسياسات قيس سعيد ومتخوفين من انحراف المسار بل من تحوله إلى نظام قمعي؟

4- بداية الترتيبات

لقد بات واضحا أن البلاد دخلت مرحلة الترتيبات للمرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد نهاية عُهدة قيس سعيد الحالية، سواء فاز هو بالانتخابات القادمة أو فاز غيره.

هذه الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي، وهنا علينا فهم دوافع إنشاء "الكيان المغاربي" الثلاثي بين تونس والجزائر وليبيا.

ما موقع حركة النهضة في هذه الترتيبات؟

يتبع..

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)