صحافة دولية

لوفيغارو: لبنان والأرجنتين.. انهيار العملة المحلية وسيطرة الدولار

اختارت ست دول حول العالم فقط الدولرة الكاملة - جيتي
اختارت ست دول حول العالم فقط الدولرة الكاملة - جيتي
قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن العديد من الدول تنوي تبني الدولار الأمريكي واعتباره عملة رسمية لها في محاولة للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية المتفاقمة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ أن تجاوز مؤشر الاستهلاك حاجز 5 بالمئة سنويا (بنقطة عالية بلغت 6.3 بالمئة في شباط/فبراير 2023)، كان الفرنسيون يتذمرون من "التضخم المتفشي". لكن في هذه الحالة ماذا يمكن أن نقول عن المعدل السنوي البالغ 132 بالمئة المسجّل في الأرجنتين، و 171 بالمئة في لبنان، و400 بالمئة في فنزويلا؟ تُظهر هذه البلدان بشكل مثالي تعريف التضخم نفسه وهو "فقدان القدرة الشرائية للنقود".

انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 98 بالمئة مقابل اليورو والدولار منذ الانفجار المأساوى في مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020. أما البيزو الأرجنتيني، الذي سعت حكوماته للدفاع عن تكافئه الصارم مع الدولار خلال التسعينات، فقَد 99.6 بالمئة من قيمته منذ ذلك الحين. لذلك، ليس من المستغرب أن يتجنب الناس استخدام عملاتهم الوطنية ويعتمدون على عملات ذات قيمة حقيقية، وعلى وجه الخصوص الدولار الأمريكي.

وأوردت الصحيفة أن الدولرة تعتبر حقيقة متسارعة في لبنان، وهي تؤثر على الوظائف الثلاث التقليدية للمال خاصة فيما يتعلق بدوره كوحدة حسابية. ووفقا لصندوق النقد الدولي في مراجعته السنوية للاقتصاد اللبناني في آذار/مارس الماضي، "سُمح للشركات مثل الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية بتحديد أسعارها بالدولار".

الادخار بالدولار


وتكمن الوظيفة النقدية الثانية في اعتباره "وسيلة للدفع"، إذ يوفر الدولار الآن ما يقارب نصف المعاملات التي تشكل الناتج المحلي الإجمالي، "الذي تقلص بنسبة 39.9 بالمئة منذ سنة 2018"، وفقا للبنك الدولي. وتعكس دولرة الاقتصاد "فقدان الثقة في القطاع المصرفي الفاشل في العملة الوطنية". بالإضافة إلى ذلك، لم تعد الليرة اللبنانية قادرة على أداء الوظيفة النقدية الثالثة والمتمثلة في العمل كـ"احتياطي قيمة" وأداة ادخار. لهذا السبب، تلعب التحويلات المالية بالعملات الأجنبية من قبل المغتربين اللبنانيين (التي تفوق ثلاث مرات السكان المقيمين في البلاد) دورا متزايدا في تمويل الاقتصاد. وحسب دراسة للأمم المتحدة، بلغت هذه الأموال السنة الماضية 6.8 مليار دولار، وهو ما يمثل 37.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو مستوى قياسي في الشرق الأوسط.

أصبحت الأرجنتين تعتمد على الدولار بشكل متزايد. وكما هو الحال في لبنان، فإن الأسعار في محطات الوقود والمحلات التجارية غالبا ما تكون مقوّمة بالعملة الأمريكية. وعلى الرغم من الرقابة الصارمة التي وقع فرضها على نحو متزايد على صرف العملات، تمكنت الأسر الأرجنتينية من تكوين مدخرات بالدولار خارج البنوك المحلية بما يصل إلى 371 مليار دولار إجمالا، وذلك حسب تقييم معهد الإحصاء الوطني الأرجنتيني. يعتبر ذلك أداء جيدا في بلد يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي حوالي 630 مليار دولار وتكاد تكون احتياطياته العامة من العملات الأجنبية معدومة، حيث يحافظ البنك المركزي الأرجنتيني على الغموض في هذا الصدد. وبينما بلغ سعر الصرف الرسمي للبيزو 350 مقابل الدولار، فإن قيمته تساوي ثلاث مرات أقل في السوق الحرة.

تحت الوصاية


وكما هو الحال في إيطاليا، حيث تشكل "فروق أسعار الفائدة" (الفجوة بين الدين الإيطالي والديون الألمانية) موضوعا عاما، فإن تحويل البيزو إلى الدولار يغذي المحادثات في بوينس آيرس. في هذا الصدد، يقترح خافيير مايلي، المرشّح الشعبوي والليبرالي المتطرف في الانتخابات الرئاسية، جعل الدولار العملة القانونية للبلاد بدلا من البيزو.

مع ذلك، هناك فجوة بين الدولرة الفعلية والجزئية من ناحية، واعتماد الدولار كعملة وطنية ليكون لها وحدها سيادة قانونية من جهة أخرى. الفكرة ليست حديثة العهد، tفي سنة 1992، أراد الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم، في مواجهة الظاهرة الأرجنتينية الدائمة المتمثلة في التضخم المفرط، وضع حد لطباعة النقود من خلال إنشاء نظام "مجلس العملة": يصدر البنك المركزي العملة فقط بما يصل إلى احتياطيات الدولار لديه في خزائنه. وقد نجح هذا النظام لفترة من الوقت، ثم انهار في نهاية التسعينيات، عندما تبين أن تسوية 1 بيزو مقابل 1 دولار لا يمكن تحملها من قبل الاقتصاد الأرجنتيني وصادراته الزراعية، بعد ارتفاع قيمة العملة الأميركية. وقد انهار النظام في كانون الأول/ديسمبر 2001، مما أدى إلى تخلف مدوي عن السداد في جميع أنحاء البلاد. وحتى الآن، اختارت ست دول فقط التداول بالدولار بشكل كامل، في حين اختارت أربع دول أخرى اليورو.

ومن دون التدخل في الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، حيث حصل المرشح خافيير ميلي في الجولة الأولى على 29.9 بالمئة من الأصوات خلف وزير الاقتصاد الحالي سيرجيو ماسا الذي حصل على 36.7 بالمئة من الأصوات، وضع صندوق النقد الدولي للتو النقاط على الحروف. فقد حذّر رودريغو فالديس، مدير صندوق النقد الدولي لنصف الكرة الغربي (القارة الأمريكية) من أن "الدولرة ليست بديلا لسياسة ميزانية مستدامة". واختيار الدولار والتخلي عن العملة القانونية الخاصة به يعني ضمنًا التخلي عن كل السيادة على أسعار الفائدة لصالح بنك الاحتياطي الفيدرالي، البنك الاحتياطي الأمريكي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى الآن، اختارت ست دول فقط الدولرة الكاملة (الإكوادور، والسلفادور، وبنما، وهي الأكبر)، في حين اختارت أربع دول أخرى التداول باليورو (أندورا، وكوسوفو، والجبل الأسود، وسان مارينو). لكن وضع نفسك تحت إشراف كيان نقدي آخر ليس بالضرورة حلا سحريا، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي تعاني مع اليورو!

التعليقات (0)