إن الذي لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر. وأبلغ كتب التاريخ تلك المذكرات التي يسجلها قادة حكموا العالم وتركوا بصماتهم على مصير البشرية؛ خيرا كان أو شرا، ولعل بعض نكباتنا نحن العرب -قادة ونخبة- أننا لا نقرأ، وإذا قرأنا فإننا لا نعتبر كما قال أحد أعدائنا.
أعترف أن بلادي تونس مؤهلة لاحتضان قمة عربية لأنها أكثر أمانا و لا مشاكل لها مع أشقائها العرب كما كان حالها عام 1979 حين اختارها العرب لتكون مقرا للجامعة العربية و منظمة التحرير فقمنا بالواجب القومي
هذه العلاقة غير الطبيعية لا بين دولتين حليفتين بل بين رجلين شريكين لا يمكن أن تستمر في ظل المؤسسات الدستورية على النهج نفسلأن من مهمات الكونغرس المنتخب كالرئيس تماما السهر على صدقية العلاقات الدولية، وعدم التفريط في قواعدها الأخلاقية التي أقرها ميثاق تأسيس الدولة الفيدرالية الأمريكية منذ 250 عاما.
كان الأمير سلمان ينال إعجاب وتقدير كل من يتصل به من النخبة الأكاديمية والسياسية الفرنسية لأن الرجل متعدد الأبعاد الفكرية شديد النهم على تحصيل المعرفة وكان صاحب مشروع يعز عليه بل يمثل غاية دراسته وتواجده في باريس وهو مشروع الإصلاح والتحديث لمنظومة الحكم في المملكة.
إننا حيال أزمة غير مسبوقة في العلاقات الدولية ستبقى مرجعا للمتخصصين في القانون الدولي وستظل وصمة في تاريخنا العربي الحديث مهما كانت نتائجها والحقائق الصادمة التي ستتضح للرأي العام العالمي.
كنا نحسب أن شطحات ضاحي خلفان منذ سنوات استثناء هزلي في الحياة السياسية لدولة الإمارات الشقيقة لجاراتها لكن مع بروز نجم السيد وزير الدولة للشؤون الخارجية أصبحنا نخشى من انحراف رسمي لدولته عن خط مؤسسها نحو انهيار منظومة مجلس التعاون الخليجي وانخرام الأمن الإقليمي.
هل تحول كل سعودي معروف إلى نموذج القهر ورمز للظلم يتحمل رغما عنه أوزار ما يمارسه ولي عهد المملكة من سياسات تفرق صفوف العرب وهي متفرقة أصلا فتزيد من حفر الخندق بين شعوب الأمة وتعميق الهوة بين مصالح المسلمين ومطامع أعدائهم المتربصين.
اشتغلت الأجهزة الإعلامية والدبلوماسية المرتبطة بالإمارات لتحويل وجهة بعض السياسيين وأحزابهم نحو خدمة أجندة معلنة وهي منع هذا التيار السياسي أو ذاك من الحصول على ثقة الناس ثم جندت آليات إعلامية تبث من باريس ومن تونس للإساءة المستمرة الممنهجة لدولتين شقيقتين هما قطر وتركيا.
إننا نحتاج إلى ثورة حضارية تعيدنا لهويتنا المسلوبة وتبتكر منهجا أصيلا عوض المنهج الدخيل (كما فعلت ماليزيا وتركيا المسلمتان).. لكن النخب في تونس والعالم العربي ما تزال تورطنا في صناعة الفتنة بممارسة النفاق السياسي لإرضاء سادتها الغربيين ونيل شهادات استحسانهم.
حاول رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية، مرات عديدة أن يحلل الأزمة الراهنة من منظور القانون الدولي. مؤكدًا أن انطلاق الحصار جاء من دون مقدمات منطقية مقنعة للرأي العام الأوروبي والدولي.
حين تتعرض دولة قطر إلى حصار جائر بغرض إنهاكها، فهي تؤكد للعالم أيضا أنها تتعامل مع الأزمة بحكمة واحترام للقانون الدولي، وسعي للحوار الحقيقي أي الذي يدور بينها وبين شقيقاتها دون لَيِّ ذراع أو اعتداء على السيادة وحرية القرار.
لم تزد المصائب أوروبا إلا توحيدا وتنسيقا ورفع تحديات إلى أن بلغت القارة العجوز مرحلة الاتحاد الأوروبي الذي يشكل قوة موحدة ونافذة ووازنة في السياسات والاستراتيجيات والاقتصاد والتجارة والثقافة وتقرير المصير.
غفل أغلب المحللين عن تصنيف ما قدم لدولة قطر من "مطالب" في سجله الصحيح الذي اعتمده القانون الدولي وشرح مقتضياته وفسر دواعيه وعلل أسبابه، فهل نصنف سلوكيات الدول الأربعة في خانة المقاطعة؟ أم في خانة الحصار .
كل من يقرأ تاريخ العقل العربي منذ انتشار الرسالة الإسلامية إلى اليوم، يقف حائرا حسيرا أمام النكبة التي أصابته والانحدار الذي اعتراه. هذا العقل الذي قدم للإنسانية علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا والجبر والطبيعة، كيف تقهقر إلى الوراء وتجمدت أطرافه وتصلبت شرايينه ولحقه عفاء الزمن؟.