بورتريه

حاصلة على "نوبل للسلام" تتجاهل معاناة "الروهينغا" (بورتريه)

سان سوتشي
تتمتع بنفوذ سياسي قوي، باعتبارها ابنة بطل الاستقلال والزعيم الثوري السابق الذي يُعتبر الأب المؤسس لميانمار (بورما) في عام 1947، والذي اغتيل عندما كانت طفلة عمرها سنتان على يد منافسيه في نفس العام.

تعرضت للشك خلال السنوات الأخيرة بسبب موقفها من حقوق وحماية الروهينغا المسلمين المضطهدين في البلاد حتى إن الزعيم الروحي البوذي العالمي الدالاي لاما غضب من صمتها إزاء محنتهم، فناشدها علنا اتخاذ موقف.

القضية الأكثر تعقيدا في مسيرتها السياسية تكمن الآن في أوضاع الأقلية العرقية المسلمة، التي تتعرض لتصفية وحشية بمشاركة نشطة من الرهبان البوذيين وقوات الأمن الحكومية، بحسب تقارير دولية وأممية موثوقة.

أونغ سان سو تشي المولودة في عام 1945 في مدينة يانجون (بيانغون) تعتنق الديانة البوذية، وتربت على يد والدتها مع شقيقيها، تلقت تعليمها في المدارس الكاثوليكية ثم التحقت بإحدى الكليات في الهند عندما كانت تعمل والدتها كسفيرة لميانمار في الهند ونيبال.

وفي عام 1969 حصلت على البكالوريوس في علوم الاقتصاد والسياسة من "أوكسفورد"، وعملت في تلك الفترة في الأمم المتحدة بنيويورك في مسائل تتعلق أساسا بالميزانية.

 ولاحقا حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كليه الدارسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، لتعود بعدها إلى ميانمار عام 1988 لقيادة الحركة الديمقراطية في البلاد.

لكن انتخابها في منصب أمين عام "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" أهم أحزاب المعارضة في ميانمار وضعها تحت الإقامة الجبرية في منزلها.

في تلك الفترة حصلت على عدد من الجوائز الدولية من بينها "جائزة سخاروف لحرية الفكر" عام 1990 وجائزة "نوبل للسلام" عام 1991، وفي عام 1992 على "جائزة جواهر لال نهرو" من الحكومة الهندية. وقرر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع منحها ميدالية الكونغرس الذهبية وهي أرفع تكريم مدني في الولايات المتحدة.

وحين دعا المجلس العسكري الحاكم في عام 1990 إلى انتخابات عامة في البلاد قادت سو تشي حزبها في تلك الانتخابات لتحصل على أعلى الأصوات، لكن النخبة العسكرية الحاكمة رفضت تسليم مقاليد الحكم واستمرت في وضعها تحت الإقامة الجبرية.

لتعود في 2015 لتصدر الانتخابات التشريعية بعد فوز حزبها بأغلبية الثلثين في البرلمان، ما شكل تغييرا تاريخيا للمشهد السياسي في البلاد.

تواجه سو تشي تحديات كبيرة وخطيرة، بدءًا من الاقتصاد، والعلاقات مع الجارتين العملاقتين الهند والصين، إلى التحاور مع الجماعات العرقية المسلحة داخل ميانمار، ووصولا إلى محنة أقلية الروهينغا المسلمة.

ولم يكن مسموحا لأعداد كبيرة من الأقليات العرقية والدينية بالتصويت في الانتخابات الأخيرة، بينهم أكثر من مليون مسلم جرّدوا من جنسيتهم.

ومما يثير تحفظات مريرة بشأن حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" الفائز في الانتخابات، أنه لا يضم مسلما واحدا ضمن مرشحيه الـ1051. وبالتالي لا يضم البرلمان أي نائب مسلم عنه، رغم العدد المعقول نسبيا للسكان المسلمين (4% من السكان).

وتنفي سو تشي وجود حملة تطهير عرقي لمسلمي الروهينغا في البلاد، بالرغم من تأكيد العديد من التقارير الدولية تعرضهم للقمع والتعذيب. وفي مقابلة مع "بي بي سي"، قالت إن استخدام عبارة "تطهير عرقي" لوصف وضعهم في البلاد يعد "أمرا مبالغا فيه".

ويرى الكثيرون أن صمت سوتشي على ما حدث مع مسلمي الروهينغا قد أضر بسمعتها كداعمة لحقوق الإنسان وحاملة لجائزة نوبل للسلام.

وأضحت سو تشي تحت ضغط دولي منذ بدأت الحكومة في ميانمار عمليات عسكرية في ولاية "راخين" بسبب ما تعرضوا له من قمع في حملة عسكرية شنها الجيش، شمال الولاية المضطربة.

ويعتقد أن أكثر من 70 ألفا منهم من مسلمي الروهينغا قد اضطروا إلى النزوح من البلاد.

وجاء في تقرير أصدرته الأمم المتحدة أن قوات الأمن في ميانمار ارتكبت جرائم قتل واغتصاب ضد الروهينغا الذين يعيشون في ميانمار منذ عقود، ورغم ذلك يراهم العديد في البلاد مهاجرين قدموا من بنغلادش.

ويعتقد محققون من الأمم المتحدة أن قوات الأمن في البلاد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية.

لكن سو تشي نفت أي معرفة لها بالاعتداءات، كما نفت ارتكاب الجيش أي انتهاكات من أي نوع في ولاية "راخين"، مشيرة إلى أنهم "أرسلوا إلى هناك للقتال ، لا لتعذيب الأشخاص واغتصابهم وسلب ممتلكاتهم".

وكشف كتاب حديث يحمل عنوان "السيدة والجنرالات.. نضال سان سو كي في بورما من أجل الحرية" النقاب عن لحظة فقدان سو تشي رباطة جأشها في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أجريت في عام 2013، بعد تضييق الخناق عليها بأسئلة المذيعة ميشيل حسين حول عمليات التنكيل بالمسلمين في بلادها، حيث إنها سمعت تتمتم خارج الهواء "لماذا لم يخبرني أحد أنني في مقابلة مع مذيعة مسلمة؟".

وقد يبدو الجيش مشكلة البلاد؛ فلدى ميانمار أكبر جيش برّي في جنوب شرق آسيا، وسيظل الجيش أحد الأطراف المؤثرة في النظام السياسي.

وقد هيمن الجيش على الساحة السياسية في البلاد على مدى نصف قرن عبر مجلس عسكري، ثم منذ 2011 عبر حكومة شبه مدنية يديرها حلفاؤه.

وسيحتفظ الجيش بنفوذ هائل داخل الحكومة، خصوصا أنه بموجب الدستور يحتفظ الجيش بنسبة 25 في المائة من مقاعد البرلمان. وهو أيضا يحتفظ بالسيطرة على ثلاث حقائب وزارية حاسمة هي التي تشرف على الشرطة والجيش وشؤون الحدود والبيروقراطية الواسعة في جميع أنحاء البلاد، ثم إن الجيش يتمتع بسلطات طوارئ خاصة منصوص عليها في الدستور، ما منحه الحق في السيطرة على البلاد لأسباب مبهمة وغير محددة تتعلق بـ"الأمن القومي" و"الوحدة الوطنية".

لكن الأولوية بالنسبة لسو تشي ليست حقوق الإنسان وخصوصا الروهينغا وإنما اللعب مع العسكر من أجل إجراء تعديلات جذرية على الدستور، وتقليص صلاحيات العسكر الذين لن يستسلموا بسهولة وسيقاومون أي تغيير يمس في مكتسباتهما، وستبقى الديمقراطية ناقصة دون تعديل الدستور.

نفوذ العسكر لا يبرر صمت سيدة حاصلة على جائزة نوبل للسلام عن أية تجاوزات تمس حقوق الإنسان دون النظر إلى دينه وعرقه.