قضايا وآراء

طوارئ السيسي والاقتصاد المصري

1300x600
أعلن عبد الفتاح السيسي فرض حالة الطوارئ في جميع ربوع مصر لمدة ثلاثة أشهر عقب تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية الأحد الماضي، ووافق مجلس الوزراء على ذلك في اليوم التالي وفقا للدستور، كما أعلن السيسي عن تشكيل مجلس أعلى للإرهاب سيتم إصدار قانون بشأنه، وسيمنح المجلس السلطات واختصاصات لتقديم توصيات فيما يتعلق بوسائل الإعلام والخطاب الديني إلى جانب الإجراءات القضائية والقانونية... وتثير تلك الإجراءات العديد من التساؤلات بشأن تأثيرها على الاقتصاد المصري، ومدى قدرة السياسة الأمنية على خلق مناخ ملائم للاستثمار؟

لا أحد ينكر بداية هذا الجرم والعمل الإرهابي المدان الذي تم في حق إخوة الوطن من المسيحيين، والمساس بهم في عقر كنائسهم، فلهم مالنا وعليهم ما علينا وفق شرع ربنا الذي ارتضاه لنا.

وإذا كنا نستنكر بوضوح وبقوة هذا العمل الإرهابي فإن إرهاب السيسي لا يقل عن ذلك فهو من صنع الإرهاب بنفسه وأجهزته وجعله عدوا محتملا وسار في الشرق والغرب ينادي بمحاربة الإرهاب، ليس طمعا في القضاء على الإرهاب الذي صنعه، بل للقضاء على أي مظهر معتدل يحمل وسطية الإسلام.

 ولم تنفك أجهزته الأمنية عن الإخفاء القسري والتعذيب، وقتل الشباب في مخادعهم وفي المقرات الأمنية بدون محاكمة، حتى لم يسلم من ذلك ريجيني الإيطالي الذي ما زالت قضيته عالقة في أذهان الغرب وآثارها السياسية والاقتصادية لم تنته بعد.

لقد جاءت تلك التفجيرات في ظروف بالغة التعقيد اجتماعيا واقتصاديا، وهو ما يزيد من تفسخ النسيج الوطني والتماسك المجتمعي المتهالك أصلا بفعل استبداد السيسي. واتجاه السيسي إلى مزيد من الاستبداد لن يجدي نفعا ولن تزيد حالة الطوارئ الأمور الاقتصادية والاجتماعية إلا تأزما.

إن الاقتصاد المصري يعاني بشدة من تضخم الدين العام حيث وصل الدين العام الخارجي في النصف الأول من العام المالي 2016- 2017 (يوليو/ ديسمبر 2016) إلى 67.3 مليار دولار ليزيد بنحو 41 في المئة عن نفس الفترة من العام السابق، كما تجاوز الدين المحلي حاجز 3 تريليونات جنيه مصري في نفس الفترة ليزيد عن الفترة المماثلة في العام السابق بنحو 29 في المئة. كما تجاوز التضخم النقدي نسبة 30 في المئة بزيادة أكبر من 56 في المئة عما كان عليه في شهر نوفمبر 2016 الذي تم فيه تعويم الجنيه المصري تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي.

كما ما زالت الإيرادات السياحية في المزيد من التراجع منذ الانقلاب العسكري، وقد بلغ تراجعها في النصف الأول من العام المالي 2016- 2017 (يوليو/ ديسمبر 2016) نسبة 41.5 في المئة لتقتصر على 1.6 مليار دولار مقابل 2.7 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، وذلك لتراجع الليالي السياحية بمعدل 49.8 في المئة لتسجل 19.2 مليون ليلة مقابل 38.3 مليون ليلة عن نفس الفترة من العام السابق.

كما تراجعت إيرادات قناة السويس منذ افتتاح تفريعة السيسي حتى وقتنا هذا. وقد تراجعت تلك الإيرادات في النصف الأول من العام المالي 2016- 2017(يوليو/ ديسمبر 2016) بنسبة 5 في المئة لتسجل نحو 2.5 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، وذلك بصفة رئيسة لانخفاض الحمولة للسفن العابرة بمعدل 2.5 في المئة. 

كما ما زالت تحويلات المصريين العاملين بالخارج في مزيد من التراجع، وقد تراجعت تلك التحويلات في النصف الأول من العام المالي 2016- 2017 (يوليو/ ديسمبر 2016) بنسبة 6.3 في المئة، حيث اقتصرت تلك التحويلات على 8 مليارات دولار مقابل نحو 8.5 مليارات دولار عن نفس الفترة من العام السابق.

وإذا كان صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع إلى نحو 2.4 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2016- 2017 (يوليو/ ديسمبر 2016) مقابل نحو 1.9 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، فإن هذا الارتفاع مرده الرئيس إلى الاستثمار في قطاع البترول. كما أن الارتفاع عن نفس الفترة في الاستثمار غير المباشر في محفظة الأوراق المالية ليحقق صافي تدفق للداخل بلغ 212.9 مليار دولار مقابل صافي تدفق للخارج بلغ نحو 1.6 مليار دولار يرجع لارتفاع استثمارات الأجانب في البورصة المصرية وأذون الخزانة الحكومية.

وإقرار حالة الطوارئ سيكون ذا مردود سلبي بارز على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، حيث ستلقي بظلالها على تجنب المستثمرين الأجانب الاستثمار في مصر في ظل تلك الظروف التي تفتقد فيها مصر للأمن كما تفتقد في الوقت نفسه لوجود حوافز استثمارية جادة ومشجعة، فضلا عن هروب الاستثمار الأجنبي من الداخل، وهذا الأمر سيكون بالغ التأثير ليس فقط على القطاع الحقيقي بل على القطاع المالي أيضا.

وسوف يمتد أثر ذلك لينعكس في زيادة تكاليف النقل والتأمين وتحقيق إيرادات قناة السويس لمزيد من الانخفاض، فضلا عن التدمير لقطاع السياحة المتهالك أصلا لاسيما منذ حادث سقوط الطائرة الروسية، وكل ذلك سينعكس أثره أيضا مزيدا من تنامي الدين العام ومزيدا من الغلاء في الأسعار، ومزيدا من التدهور في قيمة الجنيه المصري، ومزيدا من الركود التضخمي، وارتفاع في معدلات البطالة.    

إن الاقتصاد المصري ينتقل من السيئ إلى الأسوأ في ظل تلك القرارات الاستبدادية، فليس بالأمن الاستبدادي يبني اقتصاد، فلا اقتصاد سليم بغير أمن مجتمعي من خلال وجود تماسك مجتمعي، ترفرف عليه راية الحرية وتحميه العدالة، وتنفذه إرادة سياسية ديموقراطية خادمة لشعبها، وتعي قيمة الإنسان كرامة ومكانة كعنصر جوهري وأساسي لبناء اقتصاد سليم للبلاد.

إن السيسي لا يعرف سوى لغة الاستبداد، وليس في قواميسه إلا خلق الذرائع لمحاربة الإسلام باسم الإرهاب الذي صنعه بيده، حتى أنه أعلن فرض حالة الطوارئ في شهر من أشهر الله الحرم وهو شهر رجب ليمتد إلى ما بعد شهر رمضان شهر فرحة الأمة، وكأنه يحاصر المسلمين في عقر دارهم، وينكر عليهم استعدادهم لهذا الشهر الكريم، ولن يكون للسيسي أو غيره من استبداده سوى ما انتهى إليه حال المستبدين قبله، وليس نهاية القذافي وغيره عنا ببعيد.