كتاب عربي 21

بريطانيا ومراجعات الإخوان المسلمين

1300x600
"كتابات مفكري الإخوان استُخدِمَت لشرعنة إرهاب [تنظيم] القاعدة." (من ملخص تقرير السير جون جنكينغز لحكومة المحافظين السابقة في ديسمبر 2015).

"بناء على التجربة التونسية، الإسلام السياسي في بعض الدول يوفر طريقا للتحول الديمقراطي... وخطابا مضادا للأيديولوجيات المتطرفة." (من نتائج تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في نوفمبر 2016).
 
في مارس 2014، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق، دافيد كاميرون، أن حكومته المحافظة ستُكَوّن لجنة لمراجعة داخلية خاصة بأدبيات وفكر ونفوذ وأنشطة جماعة "الإخوان المسلمين" داخل وخارج بريطانيا، وكذلك بعلاقة هذه الجماعة بتنظيمات "متطرفة" أو "متطرفة-عنيفة." عَيّن كاميرون وقتها السفير البريطاني السابق لدى المملكة العربية السعودية، السير جون جنكينغز، وهو من أبرز خبراء وزارة الخارجية في شؤون الشرق الأوسط رئيسا للجنة. 

وقد أعد التقرير مع السيد تشارلز فار، المدير السابق لإدارة الأمن ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية. وأعلن كاميرون وقتها أن التقرير سيصدر كاملا في شهر يوليو 2014. وبعد أن بذلت اللجنة جهودا كبيرة في إعداد التقرير - ومن ذلك مراجعة دراسات عديدة عن الإخوان المسلمين، ومقابلة خبراء ومختصين في دراسة الإسلاميين، وكذلك قادة الجماعة وتنظيماتها وتياراتها الفكرية من المغرب إلى الكويت - لم يصدر التقرير كاملا حتى اليوم، حتى بعد مطالبة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني به أو بنسخة معدلة منه تحذف أو تحجب المعلومات السرية.

 أدت الضبابية حول قرار كاميرون، وعدم نشر التقرير، والشائعات حول دور دولة نفطية في الضغط لإصدار تقرير سلبي عن الجماعة يُمَهِد لتصنيفها "منظمة إرهابية" في مقابل استثمارات وصفقات أسلحة تشتريها من بريطانيا بمليارات الجنيهات، إلى سلسلة من التفاعلات وردود الأفعال، بما في ذلك على المستويان الرسمي والإعلامي. بدأت ردود أفعال مجلس العموم (الغُرفَة الدنيا في البرلمان) بالتساؤل عن أسباب قرار المراجعة في وقت تبدو فيه الجماعة وحزبها السياسي ضحايا عنف سياسي مُتَمثِل في انقلاب عسكري وجرائم محتملة ضد الإنسانية، ولم تنته بالتساؤل عن التقرير نفسه وأسباب عدم صدوره، وآثاره على السياسة البريطانية اتجاه الإخوان خاصة والإسلاميين عامة.

وفي مواجهة ذلك، أصدرت الحكومة ملخصا من ثمانية صفحات أسمته "مراجعة الإخوان المسلمين: النتائج الأساسية"، تلخص فيه أهم نتائج التقرير (الذي قيل أنه يتجاوز ستمئة صفحة). ويتجه الملخص إلى أن الجماعة ليست "إرهابية،" وإن كانت قد انخرطت في أنوا ع من العمل المسلح (بما في ذلك دعم انقلابات عسكرية، وثورات مسلحة، وخوض حروب مدن ومغاوير) في عدة بلدان وأوقات زمنية مختلفة "بعد انسداد أفق التغيير التدريجي"، ولكن "عضويتها أو الارتباط أو التأثر بها قد يعد مؤشرا على تطرف مستقبلي محتمل” كما يقول التقرير. وقد أكد التقرير أيضا على أن زعم الجماعة استخدام وسائل سلمية فقط منذ نشأتها هو غير صحيح. 
 
العموم والخارجية: تضارب أم توافق؟


"ماذا يعني هذا الهراء؟ ...يبدو أن كاميرون وأصدقائه في الشرق الأوسط يريدون أن يأخذونا لنزهة." كلمات قالها سياسي مرموق من حزب المحافظين فور صدور ملخص تقرير جنكينغز. لم تستمر حالة الامتعاض في البرلمان طويلا. ففي مواجهة رفض الحكومة إصدار التقرير كاملا، أو حتى إطلاع المختصين في مجلس العموم عليه أو على نسخة معدلة منه، وكذلك عدم مثول السير جنكينغز أمام لجنة الشؤون الخارجية لمناقشة نتائج تقريره، قررت اللجنة في مارس 2016 عقد جلسات علنية تستهدف فهم ومناقشة "الإسلام السياسي والإخوان المسلمين" بشكل شفاف ويصدر على أثرها تقرير واضح وكامل وعلني. 

وقد عقدت اللجنة المكونة من الأحزاب الثلاثة الكبرى - المحافظون (يمين-وسط) والعمال (يسار) والقومي الاسكتلندي (يسار- إثنو-قومي) - أربعة جلسات مطولة في البرلمان، أدلى فيها الخبراء - ومنهم كاتب المقال - بشهادتهم في جلستين، وخُصِصَت جلسة ثالثة لقيادات وسياسيين إسلاميين من الإخوان ومؤيديهم، والرابعة لممثلي وزارة الخارجية البريطانية (مع غياب السير جنكينغز). وترأس اللجنة البرلماني المرموق في حزب المحافظين - كريسبن بلنت - وهو ضابط مدرعات سابق ونائب منتخب عن دائرة ريجايت منذ انتخابات 1997 دون انقطاع.

صدر تقرير العموم في نوفمبر 2016، واتفق مع تقرير الحكومة السابقة في عدة نقاط، لعل أبرزها نقد الأداء والسلوك السياسي لجماعة الإخوان، وكذلك اختلاط سجل الجماعة فيما يخص المعارضة المسلحة والسلمية، رغم استمرار نفي قيادات الجماعة لذلك. واتفق التقريران أيضا على تأييد عدم تصنيف الإخوان "كمنظمة إرهابية." 

إلا أن تقرير مجلس العموم كان حادا في نقده لتقرير جنكينغز لتجاهله حملة القمع التي تعرض لها الإخوان في مصر، بما في ذلك عدم ذكر "التدخل العسكري الذي أزاح حكومة منتخبة ديمقراطيا في يوليو 2013... وقتل الكثير من المحتجين المتعاطفين مع الإخوان في أغسطس 2013"، كما يقول التقرير نصا. وقد أكد تقرير العموم أيضا على أن معدلات العنف السياسي في مصر كانت ستتضاعف لو أيدت قيادات الإخوان حمل السلاح ضد النظام الحالي. 

وقد أصدرت لجنة الشؤون الخارجية تقريرا ثالثا في هذا الشهر، به رد الخارجية المفصل على النقد الحاد من البرلمان. ومن الواضح من ردود الخارجية أنها أعادت تفسير ما فُهِمَ من ملخص تقرير جنكينغز؛ إذ أيدت معظم ما جاء في تقرير وتوصيات لجنة الشؤون الخارجية. ولعلها من المرات النادرة -إن لم تكن الأولى- التي يُسَتخدَم فيها مصطلح "انقلاب عسكري" (مرتين) بدلا من "تدخل عسكري" في وثيقة رسمية بريطانية لوصف ما حدث في مصر في 3 يوليو 2013. كما أيدت الخارجية نتائج تقرير اللجنة بأن "الأغلبية الساحقة للإسلاميين السياسيين هم غير منخرطين في العنف."  

دروس ديمقراطية

وبغض النظر عما عكسته الأحداث والتفاعلات عن ديمقراطية وستمينستر، وديناميكيات توازن وفصل السلطات واستقلاليتها وعمق خبرتها، وقدرتها العالية على النقد والتصحيح الذاتي، وعلى العدالة والإنصاف مع المخالف والمنافس والعدو، وهي فضائل معدومة أو مشوهة في أية نظام غير ديمقراطي؛ فيبدو أن الاتجاه العام الرسمي في بريطانيا مغاير لاتجاه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

فإدارة الأخير تبدو مائلة لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية -رغم بروز معارضة أمريكية رسمية وشعبية لذلك- بينما تتجه المؤسسات التشريعية والتنفيذية البريطانية لعدم التصنيف. إلا أن الأمر لم ينته بعد. فلجنة الشؤون الخارجية ما زالت تطالب الحكومة البريطانية بتوضيح آليات مراجعة وتحديث التقرير والقرارات التي قد تُبنى أو بُنِيَت عليه، وكذلك موقفها من جماعة الإخوان المسلمين في المستقبل.

كما أن اللجنة تصر على أنه لا يمكن فهم وتفسير السلوك السياسي للإخوان المسلمين دون النظر إلى البيئة التي خرجوا منها وعملوا فيها، وما بها من أمراض القمع سلطوي، وانقلابات عسكرية، وحروب أهلية، وأشكال متعددة للعنف السياسي، بحيث يبقى السلاح والمُشَرعن بالدين أو السلاح المُشَرعن بالقومية المتطرفة أهم وسيلتين للوصول والبقاء في السلطة السياسية في معظم بلدان الشرق الأوسط، بينما تبقى الأصوات الانتخابية، والدساتير، والحكم الرشيد، والإنجازات الاجتماعية والاقتصادية مجرد وسائل ثانوية أو أمور التجميلية.

وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، وفي ظل إدارة ترامب واتجاهها، لن تكون الحكومة البريطانية الحالية في عجلة من أمرها لحسم هذا الملف، حتى في ظل مطالبات لجنة الشؤون الخارجية.