مقالات مختارة

أخيرا.. أمريكا مع ما يليق بها

1300x600
من رأى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن العراق، أيقن تماما أننا أمام استعمار جديد قادم وبقوة، فهو يتحدث ببساطة عن نيته ابتلاع نفط العراق، لأنهم في نظره لا يستحقونه، وهي ظاهرة خطرة كانت لا تقال سابقا إلا «همسا» خلف الأبواب المغلقة.

الجميع يعرف من قبل ما هي السياسة الأمريكية؟ وما هي توجهاتها وأهدافها؟ فهي أشبه بأسد في غابة يحاول فرض سيطرته على الجميع، بينما يجد مقاومة من دون شك من حيوانات أخرى.

الفارق - في نظري - بين ترامب وسابقيه إنما هو في الأسلوب والتكنيك، أما عدا ذلك فكلهم متفقون، وتحديدا في السياسة الخارجية، فضلا عن فارق شخصي، وهو شخصيته الاستفزازية التي صرح بها من قبل حملته الانتخابية وبعد أن حصل عليها. هل نستطيع أن نقول إن هذا الرئيس هو الأقرب إلى عقلية الشارع الأمريكي؟

الحقيقة أننا بذلك نظلم الأمريكيين، فهناك كثير ممن يحملون الأفكار الليبيرالية منتظمون في العملية الديموقراطية، ورأينا كثيرا منهم في مظاهرات تأييد لمواطني الدول السبع، الذين منعهم ترامب من دخول أمريكا.

قراره الأخير، فضلا عن البدء في بناء جدار عازل بين أمريكا والمكسيك، ناهيك عن تصريحاته العنصرية عن السود، إذ تم رفع دعوى قضائية ضده في السبعينيات لرفضه التعامل مع امرأة سوداء، واتهمته المحكمة بالعنصرية، وسويت القضية، لكن من دون اعتذار من ترامب، تنبئ عن عصر جديد لم يعهده العالم من قبل. ترامب استطاع في فترة وجيزة أن يكسر كل الحواجز والأطر البروتوكولية، التي تحيط عادة بشخصية الرئيس، وليته كان بسبب إنساني كما رئيس الوزراء الكندي أو حتى باراك أوباما سابقا، لكنه بسبب تمييزي، كما وصفه فيه أوباما، إذ صرح بأنه يؤيد المظاهرات احتجاجا ضد ترامب، بسبب قراره منع مواطني الدول السبع من دخول أمريكا.

استثناء اليهود من هذه الدول من قرار المنع ضربة أخرى ضد ما تنادي به أمريكا من عدالة وديموقراطية ومساواة، والكل يعلم في الأساس أن معظم اليهود الذين بقوا في بلدانهم الأصلية يشعرون بالأمان والانتماء، أي إن المشكلة تتعلق بالمسلمين في المقام الأول، ليس لكونهم مسلمين، بل لمعاناتهم في هذه البلدان، لأسباب كثيرة. وبالتالي فأسباب المنع غير مفهوم إلا أنها نوع من عزل أمريكا عن مشكلات العالم الثالث، وعدم الإسهام في إيجاد حلول لها، إلا إن كان شيء لا يستلزم أية خسارة مادية أو جسدية. وبعيدا عن كل هذه القرارات، هناك تساؤلات تطرح عن أسباب اختيار ترامب رئيسا، وهو يحمل هذه الأفكار السوداء؟ أليس هذا ما تريده أمريكا؟
الغالبية الساحقة من المحللين السياسيين توقعوا قبل الانتخابات فوز هيلاري كلينتون بفارق مريح، وكانت المفاجأة فوزه الصادم، الذي لا تعليل له إلا أن الأمريكيين استسلموا لكذبة خطورة المهاجرين على مكتسباتهم وأمنهم، بينما الواقع يخالف ذلك تماما، فهم إما أصبحوا أمريكيين بالولادة أو بالهجرة، التي لا يتم منح صاحبها الإقامة ثم الجنسية إلا بشروط كثيرة ومعقدة، وعادة تختار أمريكا من يضيف لها.
برأيي أن على الجميع أن يتحد في مقاومة قرارات الرئيس الأمريكي؛ لأنها تكرس لمفهوم القوة والتمييز، وترسل إشارات تحذير للجميع، مفادها أن أمريكا لها الحق في الغضب متى أرادت! وأين أرادت! وكون بعض البلدان لم تشملها القائمة لا يعني «هياما» بها، بل يعني مزيدا من استنزافها. وعلى أية حال لا أرى في الوقت نفسه مبررا للقلق بمنع الهجرة إلى أمريكا، إلا لمن هم في الأساس مقيمون هناك ولم تنته إجراءاتهم بعد.
ويبدو أن أمريكا كانت سامية جدا عندما اختارت أوباما رئيسا، على رغم أنه أسود ذو أصول إفريقية، في بلد كان في فترة ما يستعبد السود، وأرادت أن تعمل توازنا فاختارت أبيض متهما بعنصريته ضد السود وينظر من «علٍ» إلى من يختلفون بسبب عرقي.