مقالات مختارة

لم تعرف إيران أهمية أوباما فجاءها ترامب!

1300x600
لن أتناول اليوم سياسة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي فصّلها في خطاب مهم وإن كان غير مفاجئ، ومخيف أو بالأحرى مقلق. لكنني أود أن ألفت الأصدقاء في المملكة العربية السعودية، والأصدقاء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أن وضع دولتيهما مع أمريكا ترامب، لن يكون مريحا لهما، رغم التهنئة السريعة التي أرسلتها إليه الرياض والتريّث الذي أظهرته طهران. فأحد أبرز الأهداف الاستراتيجية في برنامجه الرئاسي كما ورد في خطاب القسم، هو استئصال أو إبادة أو محو إرهاب الإسلام الراديكالي (Radical Islam) من على وجه الأرض. أما دافعه فهو الإرهاب الذي مارسه "الإسلام" المذكور ضد بلاده أواخر القرن الماضي، ومنذ مطلع الألفية الثالثة بتنوّع أقطابه وتنافسهم وحروبهم بالوكالة، وبلهجة شديدة وحازمة أراد من خلالها إفهام العالم المسلم والعالم الأوسع أن المسؤولية عن الإرهاب لا يتحمّلها ممارسوه فقط، بل الأيديولوجيا التي بها يؤمنون وهي الإسلام الراديكالي.

وهذا الإسلام لمن لا يعرف أو يتجاهل هو في رأي ترامب وكثيرين من قادة العالم "عقيدة" الحكم الرسمية في دول إسلامية عدة، منها المملكة العربية السعودية. فالوهابية التي ليست مذهبا بل منهج ربما وقاعدة حكم وسلوك يعتبرها قسم من العالم المسلم "إسلاما راديكاليا". كما تعتبرها كذلك جهات دولية كبرى وعظمى، وإن تلافت الجهر بذلك رسميا، تاركة هذه المهمة إلى وسائل إعلامها المتنوّعة وإلى مواقف نوابها وشعوبها وأحزابها وسياسييها وأجهزتها الاستخبارية المتنوّعة، وعدد من قادتها العسكريين الذين في الخدمة والذين ذهبوا إلى التقاعد. وقد ظهر ذلك إلى العلن عندما "وظّفت" واشنطن والرياض الإسلام الوهّابي "لتحرير" أفغانستان المسلمة من الاحتلال السوفياتي "الكافر"، وكانت الوهابية يومها معتدلة. ثم ظهر ثانية بعد إرهاب 11 أيلول 2001 في أمريكا عندما شكّكت أمريكا الرسمية في ضلوع المملكة رسميا فيه، بعد تأكدها من دور فيه لكبار منها ولجمعيات خيرية ورجال دين. لكن التحقيقات برّأت العائلة المالكة في السعودية، وأبقت سيف الاتهام مسلّطا على أحد "العمودين" اللذين يقوم عليهما النظام في المملكة.

طبعا هناك إسلام آخر راديكالي في رأي الرئيس ترامب هو إسلام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهناك إرهاب خطير أيضا مارسته مباشرة عبر أذرعها العسكرية والعلمائية والحزبية والمذهبية في المنطقة ضد العرب وضد حلفائه في العالم وبعضهم دول إسلامية. وأهمّهم على الإطلاق عند أمريكا دولة إسرائيل واليهود في العالم. وربما يرى الساكن حديثا في البيت الأبيض في واشنطن أن الإسلام الراديكالي الإيراني أكبر وأكثر أذى؛ لأن من يؤمن به جعله دستورا لدولته منذ عام 1979، ولأنه بنى دولة جدّية نجحت رغم الحروب والحصارات والعقوبات في بناء دولة جدّية جدا، وفي التحوّل قوّة إقليمية عظمى يخافها العرب وغير العرب المنتمون إلى "الإسلام الراديكالي" والإسلام المعتدل (السنّيان). كما تخافها إسرائيل. وبسبب خوف الأخيرة لم يكف الأمريكيون عن وضع الإسلاميين الراديكاليين السنّي والشيعي في كفة واحدة. علما أنهم يعرفون الفرق بينهما وأبرزه أن "إرهاب الدولة" (إيران) يمكن إنهاؤه بالتفاهم كما بإنهاء فروعه المتمثّلة بـ"أدوات" سنّية. في حين أن الإرهاب الراديكالي السنّي لم يصل إلى مرتبة إرهاب الدولة إلا مرة واحدة، يوم قرّرت واشنطن هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان واعتمدت على الإسلام الراديكالي السعودي لتحقيق ذلك ونجحت.

في اختصار تعرف إيران أو يجب أن تعرف أن السياسة الخارجية لسلفه أوباما وخصوصا في الشرق الأوسط وتحديدا حيالها، هي أحد أبرز أسباب وصول ترامب إلى الرئاسة. ذلك أن رصيده كرئيس مغادر السلطة أكبر من رصيد أي رئيس سابق. ويعود ذلك إلى إنجازات له في الداخل. وهي تعرف أيضا أن أوباما كان أفضل رئيس لأمريكا يمكن أن تتفاهم معه على تسوية حروب المنطقة ومشكلاتها بعد الاتفاق النووي الذي هو عرّابه، لو حاورته كما وعدت في القضايا الإقليمية، وتعرف أنه سيمضي وقت طويل قبل أن يأتي شبيه له؛ ولذا عليها التحسّب والتيقّظ والانتظار وخصوصا بعدما وضعها ترامب في مرتبة كوريا الشمالية في خطابه.

أما المملكة فعليها الانتظار والتحسّب أيضا؛ إذ لا تستطيع قبول دور إقليمي تسمح به إيران بعد التفاوض عليه معها. كما لا تستطيع التخلّي عن الاعتماد على أمريكا وحمايتها. والدافع إلى الانتظار جهل السياسة التطبيقية للاستراتيجية الواضحة التي أعلنها ترامب الجمعة الماضي، وفي الوقت نفسه جهل ردود الفعل في الداخل الأمريكي قبل الخارج على تطبيقه لها.

النهار اللبنانية