قضايا وآراء

هل تلحق العريش بالشيخ زويد ورفح.. وتخرج عن السيطرة؟

1300x600
مجزرة العريش التي ارتكبتها قوات الداخلية، ضد 10 من شبان مدينة العريش، ستمثل نقطة فارقة في تاريخ الصراع الجاري في شمال سيناء منذ أكثر من ثلاث سنوات، كما ستؤرخ لدخول الأزمة هناك إلى مرحلة جديدة من المواجهة، ستختلف مفرداتها وتفاصيلها بصورة جوهرية، عما سبقها من مراحل، وخاصة داخل المدينة الأكثر كثافة في شبه جزيرة سيناء، والتي تضم وحدها نحو نصف سكان المحافظة، وربما يكون من أبرز عناوين تلك المرحلة الانزلاق بشكل متسارع نحو نموذج حرب المدن، والتحاق العريش بشقيقتيها الشيخ زويد ورفح، في حالة الخروج عن السيطرة.

قيام قوات الشرطة بتصفية الشبان المعروفين بالاسم، والمنتمين إلى عائلات وقبائل معروفة في المدينة، كـ"الفواخرية" "والأيايبة" "والسواركة" وغيرها، أدى لحالة من الصدمة الممتزجة بمشاعر الحزن والغضب، على نطاق واسع، خاصة في ظل أن الشبان المغدورين كانوا معتقلين ومخفيين قسريا، بحوزة قوات الأمن منذ أكثر من شهرين، فيما اتهمهم بيان الداخلية الذي بثته الصفحة الرسمية لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"؛ بالضلوع في الهجوم على كمين المطافي بضاحية المساعيد غربي العريش قبل أيام.

حالة الغضب العارم دفعت بعض عقلاء ورموز ومشايخ ونواب العريش لعقد اجتماع عاجل داخل ديوان "آل أيوب"، لمناقشة الرد على الافتراءات التي لحقت بأبنائهم، وسرعان ما خرجت التوصيات من الاجتماع، بعدد من القرارات التي تأتي - برأي البعض - لاحتواء حالة الغضب لدى غالبية الشبان من أبناء المدينة، وكان من أبرزها، مطالبة نواب البرلمان الستة عن شمال سيناء بالاستقالة، والدعوة لإطلاق سراح جميع المعتقلين من أبناء سيناء، وكذلك إلغاء اللقاء بوزير الداخلية باعتباره خصما لأبناء المدينة، إضافة للمطالبة بمعرفة مصير جثث الشبان، وسرعة تسليمها لذويهم من أجل الشروع في إجراءات الدفن.

وفيما كان الغضب سائدا داخل ديوان "آل أيوب"، ردت وزارة الداخلية من جهتها على اجتماع العائلات بإعلانها عن تصفية مواطن آخر هو "حمدان سليمان سالم النخيلي"، 39 عاما، أمام أسرته، داخل بيته بحي الصفا بالمدينة، متهمة النخيلي بالوقوف وراء العديد من العمليات الإرهابية التي طالت عناصر ومنشآت الجيش والشرطة داخل مدينة العريش، ومشيرة إلى أن العملية جاءت بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة.

كثيرون من أهالي العريش حاولوا قراءة الرسالة المزدوجة التي بعثت بها الدولة للمواطنين في العريش، بقتل 10 شبان معتقلين، ثم قتل شاب آخر في بيته، خلال أقل من 24 ساعة.. الرسالة كُتبت بالدم، وتعبر عن تهديد واضح للمواطنين بالعمل كـ"مخبرين" عملاء سريين لدى السلطات، بشكل إجباري، للإبلاغ عن كل صغيرة وكبيرة تدور في المدينة الصغيرة، التي عجزت الدولة بكل قوتها العسكرية والأمنية في السيطرة عليها، وإلا فإن مصير حوالي 11 ألف معتقل سيناوي لن يختلف كثيرا عن الشبان المقتولين مؤخرا، خارج إطار القانون، على يد السلطة المفترض فيها القيام على تنفيذ ذلك القانون واحترامه.

قرارات ديوان "آل أيوب" تأتي بمثابة قمة جبل جليدي، فقد عبرت عن الحد الأدنى من المطالب الشعبية الغاضبة في العريش، لكن القاعدة الشبابية ربما يكون لها مسلك مختلف كثيرا، وخاصة في حال لم ينجح كبار العائلات والرموز في إنجاز شيء يذكر من مطالب الديوان، فالمنطقة الرمادية في المدينة والخيارات انحسرت بشكل كبير بفعل الجريمة الأخيرة للشرطة، وأصبح الشبان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الرضوخ والاستسلام للقبضة الأمنية التي تقتل وتعتقل بشكل عشوائي دون حسيب أو رقيب، أو الانضواء تحت لواء تنظيم "ولاية سيناء"، ربما ليس اقتناعا بالأفكار الخاصة بالتنظيم بقدر ما هي حالة من الثأر باتت الدولة ترسّخها كل يوم بممارسات لا تعد مسؤولة بنظر الكثيرين.