ملفات وتقارير

وفاة غامضة لصحفي يمني و"عربي21" تكشف ما قبل الوفاة

صحفي يمني محمد عبده العبسي
يلف الغموض وفاة الصحافي اليمني، محمد عبده العبسي، الأربعاء، الناتجة عن تعرضه لـ"سكتة قلبية"، كما جرى الإعلان عن ذلك، إلا أن جهات في الحكومة اليمنية -المعترف بها دوليا- شككت في سبب الوفاة هذه، وطالبت بلجنة تحقيق دولية.

الشكوك المثارة حول أسباب وفاة الصحافي الاستقصائي المقيم في صنعاء دفعت أسرته لتأجيل دفنه، المقرر مساء الأربعاء، والمطالبة بإخضاعه للتشريح؛ لكشف ملابسات وفاته المفاجئة.

طلب أسرة "العبسي" جاء بعد ورود أنباء عن احتمال اغتياله بمادة "سامة"، لاسيما أن أحد أقاربه الذي كان يرافقه، مساء الثلاثاء، يرقد في إحدى المستشفيات بصنعاء.

ويسود الاعتقاد في الوسط الصحفي أنه تعرض لتسمم إما "غذائي" أو "كيماوي"، إلى جانب السبب الثالث المعلن "أزمة قلبية"، بعد مطالبة نقابة الصحفيين اليمنيين الجهات المعنية بفتح تحقيق في وفاة العبسي.

مصدر مقرب جدا من الصحافي العبسي كشف عن الساعات الأخيرة لتحركات الرجل التي سبقت حادثة وفاته، منذ مساء الثلاثاء وحتى ظهر الأربعاء، التي أعلن عن مفارقته للحياة إثر "أزمة قلبية".

 وقال المصدر -الذي اشترط عدم كشف هويته- لـ"عربي21"، إن العبسي شوهد، مساء الثلاثاء، مع شخصين؛ أحدهما" قريبه الذي يرقد في إحدى مستشفيات صنعاء"، والآخر" غير معروف" كان معهما في السيارة، وأين هو الآن؟.

وأضاف أنه في تمام الساعة 9 صباحا كان الصحافي العبسي في منزله، وبحالة طبيعية، يتبادل الحديث مع أهله، إلا أنه بدأ في الساعة (10:30) من صباح الأربعاء بتعاطي القات، وفجأة أحس بألم في معدته، ليرتمي عقب ذلك إلى الأرض، بعد 5 دقائق من إحساسه بالألم.

وحسب المصدر المقرب من العبسي، فإنه نقل بعد ذلك إلى غرفة الإنعاش في مستشفى بشارع تونس بصنعاء، لكن الأطباء أخبروا أسرته بأنه "فارق الحياة".

ولفت المصدر إلى أن عائلته عادت بجثمانه إلى منزله، بعد إخبارهم بوفاته، لكنه استدرك قائلا: في الساعة الثانية عشرة ونصف تقريبا (ظهر الأربعاء) عاد الرجل للتنفس لعدة ثوان، ليتم نقله مجددا إلى مستشفى القاهرة القريب من مقر جامعة صنعاء.

ووفقا للمصدر، "عندما وصلوا به إلى المستشفى، أخبرهم الأطباء بأنه" توفي".

ويرقد جثمان الصحافي الاستقصائي، المعروف بنشاطه في كشف ملفات الفساد المالي والإداري في قطاعات الدولة، خصوصا قطاع النفط، في مستشفى الكويت، حيث سيخضع الخميس للتشريح؛ بناء على طلب أسرته؛ لكشف أسباب وفاته.

ويعد الصحافي العبسي من أبرز الوجوه الصحافية باليمن، حيث مثل مصدرا مهما للمعلومات التي تستند عليها وسائل الإعلام فيما يتعلق بقضايا الفساد التي كان يتناولها عبر تحقيقات مدعمة بالوثائق، حيث كان آخر أعماله تحقيقا عن الفساد في قطاع النفط.

وكان آخر الأعمال الاستقصائية التي كان يشتغل عليها الصحافي العبسي ملف "الشركات النفطية المحتكرة لاستيراد النفط"، وهي تابعة لجماعة الحوثيين.

والمعلومات نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص "ثلاث شركات نفطية" تابعة لقيادات حوثية تحتكر استيراد النفط، سربها الصحافي محمد العبسي؛ بسبب خشيته من تداعيات نشرها على صفحته بـ"فيسبوك" على أمنه الشخصي.

وتشير المعلومات التي سربها العبسي قبل وفاته إلى أن الشركة الأولى والأكبر يملكها "محمد عبد السلام"، الناطق الرسمي لجماعة الحوثي، وتحمل اسم شركة "يمن لايف " يديرها شقيق عبدالسلام.

أما الشركة الثانية، فهي تابعة لتاجر سلاح يدعى "دغسان محمد دغسان"، وهو من أبناء محافظة صعدة (المعقل الرئيس للحوثيين)، واسم الشركة "اويل برايمر"، بينما تحمل الشركة الثالثة اسم "الذهب الأسود"، ويملكها "علي قرشة"، وكان عضوا في لجنة الوساطة في الجولة الخامسة من حرب صعدة مع القوات الحكومية.

وتقول المعلومات التي تداولها الناشطون بشكل واسع في منصات التواصل الاجتماعي إن هذه الشركات الحوثية الثلاث هي المحتكرة لاستيراد النفط لليمن، وتبيعه بأسعار مرتفعة، مع أنه لا حجر على استيراد المشتقات النفطية.

وتضيف أنه تم إنشاء شركة في "دبي" ما زال العبسي يبحث عن اسمها والشخصيات التي تديرها، كواجهة تقوم بشراء النفط باسمها صوريا، أو من فروعها؛ للتغلب على المشاكل التي قد تواجههم عبر "الحصول على تراخيص من قبل التحالف".

وترجح التفاصيل المسربة بأن ارتفاع الدولار إلى 300 ريال يمني في فتره وجيزة يعود "لسحب العملة الصعبة من السوق وتحويلها للمتاجرة في استيراد النفط من الخارج". الأمر الذي شكل طبقة تجارية جديدة من الحوثيين في وقت قياسي.

كما فسرت أسباب إفشال "محمد عبدالسلام"، كبير المفاوضين الحوثيين، لأي حلول طرحت في مفاوضات السلام بأنهم يفضلون إبقاء الوضع الحالي كما هو عليه الآن، حتى يتمكنوا من تكوين ثروة تمكنهم من البقاء اقتصاديا.

ولم يتسن لـ"عربي21" التواصل مع المسؤولين في جماعة الحوثيين بشأن المعلومات المتداولة حول هذا الملف.

النقابة تطالب بلجنة دولية

من جهتها، طالبت نقابة الصحفيين اليمنيين، الأربعاء، بفتح تحقيق في وفاة العبسي، والكشف عن ملابساتها.

وفي بيان مقتضب نشره "نبيل الأسيدي" عضو النقابة، شدد على أن تكون الجهة التي تقوم بتشريح جثة الصحافي محمد العبسي لجنة دولية من الصليب الأحمر.

الحكومة تدعو لنقل جثمانه إلى عدن


وفي السياق ذاته، دعت وزارة الإعلام اليمني التابعة للحكومة الشرعية، الأمم المتحدة والصليب الأحمر إلى نقل جثة "العبسي" إلى مدينة عدن (جنوبا) لتشريح جثته، بعد شكوك حول اغتياله بصنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وقالت الوزارة في بيان لها، نقلته وكالة "سبأ" الحكومية، إن الصحفي العبسي -الذي كان يعمل في واحدة من مؤسسات الوزارة قبيل الانقلاب- كان يعمل على تحقيقات استقصائية في أيامه الأخيرة تتناول قضايا خطيرة ووثائق تدين الانقلابيين -حسب وصفها- خاصة تلك التي تتعلق بالنفط والسلاح".

وأكد البيان أن من ضمن التحقيقات الاستقصائية التي نشرها العبسي في مدونته مؤخرا أمورا تتعلق بالسوق السوداء للنفط والغذاء، وتكشف أن إجراءات الانقلابيين، أي الحوثيين وصالح، هي التي تقف وراء حصار اليمنيين في الداخل. معلنة تمسكها بأن يحظى حادث وفاة "العبسي" الغامض والمفاجئ بتحقيق عادل ومنصف، وبعيدا عن مكان حدوث الوفاة وضغوط النافذين في سلطات الانقلاب.