مقالات مختارة

أمريكا التي لا غنى عنها

1300x600
جعل أمريكا عظيمة مجددا، كان الشعار الكبير والمثير الذي حمله الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وعلى الرغم من الزخم الذي رافق الحملة الانتخابية وشعارها وتأثيراتها في تعزيز القومية، فإن التوليفة التي اتضح فيه مغزاها أنها تداخلت بين رسم سياسة أمريكا الخارجية والداخلية معا. بالطبع ما زال الوقت مبكرا لتصور عودة ملامح العظمة الأمريكية إن كانت هي التقليدية النشطة أو نسخة معدلة. 

هذا وإن بدا الانقسام الأمريكي ظاهرا بين فكرة الاهتمام بالداخل الأمريكي والانكفاء بعيدا عن قضايا العالم أو فكرة إعادة المجد الأمريكي بقيادة العالم. ولم يبد أن الأمريكيين المؤيدين لعودة العظمة الأمريكية مهتمون بتفاصيل الوصفة الدقيقة بقدر الاهتمام بالفكرة نفسها. ويبقى الاقتصاد والإرهاب والسياسة الخارجية عوامل أساسية مشتركة بين أمريكا العظمى وبيننا؛ أمريكا "الماركة" الأصلية المأمونة التي كانت حلم العالم الكبير. ويبقى ما يهمنا هو أن تكون أمريكا فعلا عظيمة مجددا بدورها الاستراتيجي القيادي، ذلك الذي شغر مكانه أمام عبث الأدوار الجديدة بميليشياتها. ومن يجرؤ أن يقول عكس ذلك فليس بواقعي.

السياسة الخارجية الأمريكية مرهونة بصناع القرار، وهذا ما يفسر تراوحها بين الإقدام والانكفاء. الكونجرس بشقيه والمؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية واللوبيات وغير ذلك من مراكز التأثير في صنع القرار الأمريكي كلها تسهم وتقرر شكل السياسات الأمريكية، أو على الأقل تتدخل في إقرارها أو تغير مساراتها إن اقتضت الضرورة أو المصلحة أيا كانت. والتأثير في صنع قرار السياسة الخارجية للولايات المتحدة باب ليس مغلقا. لكن رغم تعددية مصادر صنع القرار في أمريكا وسطوة كل منها إلا أنه لا يمكن تجاهل قدرة الرئيس الأكبر في صناعة القرار. وهي بطبيعة الحال فوق قدرة المؤسسات، ولا سيما في الأزمات والتحولات والقرارات الكبرى.

الشرق الأوسط هو منطقة التأثير وحلبة الصراع ومسرح العالم. وأزمة المنطقة هي ما تهمنا الآن من صناعة القرار الأمريكي؛ من خلال رسم سياسة واستراتيجية وأمريكية مستمدة من هذا الواقع. في منتصف العام الماضي، قال روبرت جيتس وزير الدفاع الأسبق إن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية للشرق الأوسط على الإطلاق. وهذا ما بدا طوال مرحلة الإدارة السياسية المنتهية صلاحيتها من تضارب وتراخ في أغلب الملفات، خاصة مع الانقسامات الواضحة بين الحزبين الأمريكيين حول دور أمريكا في العالم بعد مرحلة حروب صبغت إدارة جورج بوش الابن.

لذا؛ فأي أمريكا يريد الأمريكيون؟ هو السؤال نفسه الذي يهمنا، وقد كان على القائمة خيارات ثلاثة تحكمها رغبات صناع القرار: إما أن تتنازل أمريكا بشكل معلن عن مسؤولياتها في العالم، وتتفرغ لاستثمار طاقاتها داخل البلاد وبذلك تخسر استثنائية أمريكا، ومشروع نشر القيم الأمريكية. وإما -وهذا هو خيار العظمة التقليدي- الإبقاء على المبدأ القديم بـ"أمريكا التي لا غنى عنها"، وأنها الوحيدة التي تستطيع الدفاع عن القيم والمبادئ التي يزداد اعتماد العالم عليها. 

وهنا وصفة أمريكا العظمى التي نشأت عليها، وذلك لسبب حي؛ هو أن خيار التراخي والعزلة يقوض عظمة أمريكا واستثنائيتها، ويهدد بالتالي اقتصادها وقيمها، أما الأهم فهو أمنها القومي، وهو في النتيجة تهديد للأمن العالمي أجمع.

الاقتصادية السعودية