مدونات

"عاشوراء".. لحظة تحول في التاريخ الإنساني

حاتم أبو زيد
"عاشوراء" هو يوم العاشر من شهر المحرم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وأغرق فرعون وجنوده. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم... الحديث).

كانت سنة الله الجارية في الأمم السابقة حتى بني إسرائيل؛ أن يرسل الرسل فتؤمن طائفة ويكفر الملأ من الكبراء والسادة عادة، فلا تؤمر الطائفة المؤمنة سوى بالثبات إلى أن يأتي أمر الله فيهلك المعاندين المتكبرين.

فلم يكن ثم جهاد ومدافعة للظالمين من المؤمنين، وكذا ظل الأمر في بني إسرائيل حتى أنجاهم الله من فرعون، قال تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا) فجاءت إجابتهم: (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) قال موسى: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض) وقد كان فقد أغرق فرعون دون أن يبذل بني إسرائيل جهدا في مدافعته.

وكذلك الحال في قوم نوح فأرسل عليهم الطوفان، وفي من جاء بعدهم فمنهم أرسل عليه الصاعقة، ومن خسف به الأرض، ومنهم من أهلكه الله بالريح، ومنهم من جعل دياره عاليها سافلها، وينجي الله الذين اتقوا بثباتهم على الإيمان والحق. قال تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم).

أما من بعد أن نجى الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون تغيرت هذه السُنة، فأوجب سبحانه على عباده الجهاد ومدافعة الظالمين. فما أن عبر موسى - عليه السلام- بقومه أمرهم بدخول الأرض المقدسة مدافعة لعدوهم مع وعد بالنصر لهم. فلما أرادوا أن يستمر الأمر على ما كان في السابق وأن يأتيهم النصر دون بذل جهد منهم (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) كتب عليهم التيه.

حتى خرج جيل استجاب لأمر الله وقالوا: (لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) فكان النصر وكانت مملكة نبيا الله داوود وسليمان عليهما السلام.

وثم كانت السُنة الماضية على المؤمنين ألا تقام دولة الحق إلا ببذلهم في الجهاد للظلمة والطغاة ومدافعتهم، ودون ذلك لا يتنزل عليهم النصر والمعونة من الله عز وجل.

ولذا فالمتأمل للقصص القرآني يرى أن الأمم السابقة ينتهي ذكر أخبارها بهلاك الظالمين ونجاة المؤمنين، ولا يجد خبرا عن كيف أداروا شؤونهم فيما بعد.

أما في حالة بني إسرائيل فنجد القرآن وكذا السنة تذكر التفاصيل عن أحوال بني إسرائيل، وتلك الدولة التي نشأت بجهد المؤمنين. إذ السُنة الماضية أن الطائفة المؤمنة تجاهد فيتنزل عليها نصر الله، وانتهى زمن النصر بلا بذل ومدافعة. فكان ذكر قصصهم وتفاصيل عنهم ضرورة ليأخذ منها المؤمنون العبرة والعظة، فالدولة القادمة التي ستقام بالمدينة ستأتي بعزيمة الطائفة المؤمنة وبجهدها، ومن ثم تتنزل عليها المعونة والتأييد والنصر من الله تبارك وتعالى.