كتاب عربي 21

حول مبادرة الأمم المتحدة للمصالحة الوطنية في ليبيا

1300x600
استهل مارتن كوبلر، المبعوث الأممي لليبيا، اللقاء التمهيدي للخبراء حول المصالحة الوطنية في ليبيا بالقول إن الأمم المتحدة اعتمدت مسارات ثلاثة لحل الأزمة الليبية والوصول بالبلاد إلى بر الأمان.

فبالإضافة إلى المسار السياسي الذي قاد إلى توقيع اتفاقية الصخيرات في كانون الأول/ ديسمبر 2015، والمسار الأمني الذي يشرف على ترتيباته الجنرال الإيطالي باولو سيرا، تسعى البعثة الأممية إلى إطلاق مسار المصالحة الوطنية الذي يهدف إلى احتواء آثار النزاعات والحروب التي اندلعت في الغرب والشرق والجنوب.

النقاش الذي دار في الندوة وورشة العمل التي انعقدت في تونس خلال الأيام 31 آب/ أغسطس وحتى 2 أيلول/ سبتمبر، تفرع وتعدد واقترب وابتعد من المصالحة، وذلك من خلال اتجاهات وآراء المشاركين.

فالبعض أعلن تحفظه منذ اللحظات الأولى لانطلاق أعمال الندوة بالقول إن هناك إقصاء في خلط واضح بين جلسات المصالحة التي تجمع الأطراف المعنية، وبين الغرض من هذه الندوة ذات الطبيعة العلمية. ما ساعد على وقوع هذا الخلط هو قائمة المدعوين التي لم تتركز حول الخبراء كما هي طبيعة الندوة، وإنما جمعت بعض الحضور ممن ليسوا من الباحثين أو المثقفين وأصحاب الرأي، الذين هم أقرب إلى أطراف النزاع في تصلبهم.

في ما يتعلق بتقييم المصالحة الوطنية فقد انقسم الحضور حول جدوى المصالحة من عدمه. فقد ذهب بعض الحاضرين إلى اعتبار الخوض في المصالحة الوطنية على المستوى الرسمي عبثا وتضييعا للجهود، وأن المصالحة تتطلب وجود دولة وحكومة أو سلطة شرعية يعترف بها جميع أطراف الصراع في ليبيا، وهو اشتراط غير متوفر في الوقت الراهن.

حجة الرافضين للمصالحة الوطنية قبل استكمال بنود الاتفاق السياسي وتشكيل حكومة موحدة تنال ثقة البرلمان أن آليات تحقيق الصلح وتثبيت الوئام تتطلب جهودا وإمكانيات وموارد مالية ضخمة خاصة ما يتعلق منها بجبر الضرر وتعويض المتضررين، وأيضا تشكيل قوة أمنية شرعية نظامية تفرض الأمن بعد المصالحة وتملأ الفراغ وتحول دون تجدد الاشتباكات.

أنا كنت ممن يرون أن تنطلق المصالحة الوطنية وتلحق بركب التفاعل السياسي الراهن لأن هناك حاجة ملحة أن يتعاضد المسار السياسي والمسار الاجتماعي. الأزمة السياسية الليبية اليوم ليست سياسية بإطلاق، ويدخل العامل الاجتماعي على خط الصراع بقوة، وبالتالي فإن أي جهود إضافية لدعم الوفاق السياسي وتعزيز الاتفاق الراهن ينبغي أن تأخذ في اعتبارها تحقيق وفاق بين المكونات الاجتماعية من قبائل ومناطق ومكونات ثقافية (الطوارق والتبو).

مقاربتي تقوم على أن الصراع الاجتماعي يغذي الخلاف والنزاع السياسي، والعكس صحيح. فالقادة السياسيون يفلحون في تفعيل المكونات الاجتماعية والثقافية وفق الأجندة السياسية، وبالتالي فإن حلحلة الخلافات على المستوى الاجتماعي بين القبائل والمناطق المتنازعة سيكون له أثر إيجابي كبير في دفع عجلة الوفاق السياسي وتجاوز العديد من العقبات التي تحول دون اكتمال حلقات التوافق على مستوى الأجهزة السيادية الرئيسة: المجلس الرئاسي، والبرلمان، والمجلس الأعلى، وحكومة الوفاق المنتظرة.

ما لفت انتباهي هو أجواء الهدوء والرغبة في تجاوز الخلافات التي كانت لسان حال ومقال أغلب الحضور، ولست أدري أهي المجاملة والمدارة، أم هو الشعور بأن البلاد في خطر وأن الرهان على القوة لأجل تغيير الواقع المأزوم إلى الأفضل لم يحقق المرجو، بل أدخل البلاد في منعطف سياسي وأمني واقتصادي خطير، وبالتالي لا بديل عن المصالحة ولا مناص من الوفاق.

الملاحظة الأجدر بالاهتمام هي شعوري بأن مخرجات الندوة وورشة العمل المصاحبة لما تكن وفق المستهدف، فالمفترض أن يتضمن لقاء الخبراء تقييما معمقا لتجربة المصالحة الوطنية خلال الأعوام الخمسة الماضية للخروج بتوصيات تعالج الضعف وتكمل النقص، الأمر الذي لم يحدث.

أيضا كان المستهدف من الندوة وورشة العمل الخلوص إلى إطار عام لاستراتيجية المصالحة الوطنية المنشودة، أو ملامح برنامج عمل لانطلاق المصالح الوطنية وسيرها بشكل ثابت الخطى إلى أن يتحقق الوئام والسلم الاجتماعي، الأمر الذي يشير إلى خلل ينبغي على الراعي لمشروع الوقوف عليه وتقويمه.