سياسة عربية

حليب الأطفال يكشف توحش إمبراطورية الاقتصاد للجيش بمصر

صحيفة: القوات المسلحة تهيمن على نحو 60% من الاقتصاد المصري و90% من أراضي البلاد
توسعت الإمبراطورية الاقتصادية للقوات المسلحة في مصر، بعد ثلاثة أعوام من انقلاب يوليو 2013، حتى أصبحت كالأخطبوط الذي يسيطر على كل مجالات الاقتصاد تقريبا.
 
ويقول مراقبون إن دور الجيش في الاقتصاد المصري تعدى الهيمنة، ووصل إلى مرحلة التوحش، حيث دخل في مجالات جديدة لا علاقة لها إطلاقا بالمجال العسكري، بدءا من الثروات المعدنية، وانتهاء بصالونات التجميل!.
 
وكشفت أزمة حليب الأطفال، التي شهدتها البلاد منذ أيام، عن انتهازية غير مسبوقة من جانب الجيش، عندما أعلن عن استيراد 30 مليون عبوة؛ لحل الأزمة، لكنه طرحها بسعر 30 جنيها للعبوة، بعد أن كانت وزارة الصحة تبيعها مقابل 18 جنيها فقط.
 
وأثارت هذه الخطوة انتقادات حادة من المصريين، الذي رأوا أن الجيش يستغل معاناة المواطنين لتحقيق أرباح خيالية، فيما ذهب البعض إلى اتهام الجيش بخلق الأزمة عبر إغلاق المصانع العاملة في هذا المجال؛ حتى لا ينافسه أحد!.
 
وعلق الإعلامي يسري فودة، في مقال له بموقع "دويتش فيله"، قائلا إن أزمة حليب الأطفال كشفت عن غضب بالغ من تعامل الجيش المصري مع الأزمة، بعد أن كان يحظى باحترام الجميع.
 
كما انتقد الكاتب "فهمي هويدي" في مقال له بصحيفة الشروق، يوم الاثنين، عسكرة الاقتصاد المصري، وقال إن أزمة لبن الأطفال فتحت ملفا مسكوتا عليه يجب فتحه قبل فوات الأوان.
 
بالأمر المباشر
 
وبسبب عدم وجود رواتب حقيقية أو ضرائب على أرباحه أو جمارك على وارداته، فإن الجيش يعد منافسا غير شريف مع الشركات الأخرى، التي رفعت أصواتها بالشكوى مرات عديدة دون مجيب.
 
ويعتمد الجيش في إدارة إمبراطوريته الاقتصادية على مئات الآلاف من المجندين الذي يعملون في أنشطة اقتصادية أثناء قضائهم فترة التجنيد الإلزامي، مقابل رواتب هزيلة للغاية.
 
وكثيرا ما يطالع المصريون في الصحف اليومية إعلانات مدفوعة الأجر تحمل استغاثات من شركات تطلب تدخل الرئيس لإنقاذها من الإفلاس؛ بسبب احتكار الجيش، كما حدث في مجالات إعلانات الطرق والأدوية والمحاجر.
 
وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، نشرت وكالة "بلومبرج" الاقتصادية تقريرا، قالت فيه إن النظام رسخ احتكار الجيش للاقتصاد، ما أدى إلى قتل أي فرصة للاستثمار في البلاد.
 
ويقول مراقبون إن هيمنة الجيش على الاقتصاد استفحلت في السنوات الأخيرة؛ بسبب إسناد كافة المشروعات الكبرى الجديدة للقوات المسلحة بالأمر المباشر، التي تمررها، بدورها، لمقاولين مدنيين من الباطن، وفي بعض الحالات، تحصل على أرباح كبيرة مقابل الإشراف.
 
وخلال عامين من حكم السيسي، تحجج الجيش بضعف الجهاز الإداري للدولة، واستحوذ على المشروعات الاقتصادية الكبرى، مثل توسيع قناة السويس وبناء المدن الجديدة، وحصل على حق استغلال كافة الطرق السريعة لمدة 99 عاما مقبلة، في صفقات تدر عليه مليارات الجنيهات.
 
وكانت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية نشرت في يناير الماضي تقريرا، قالت فيه إن السر وراء استمرار عبد الفتاح السيسي في منصبه حتى الآن، هو صفقة عقدها مع الجيش، ليحصل على دعمه مقابل هيمنة الجيش على الاقتصاد المصري.
 
ولم يعد رجال الأعمال والمستثمرين فقط هم من يشتكون من جشع الجيش، بل أصبح المواطن العادي أيضا يجأر بالشكوى، حيث زاد الجيش من رسوم استخدام الطرق السريعة والشواطئ، ومؤخرا حليب الأطفال.
 
التأثير على الجاهزية للقتال
 
وبحسب تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مؤخرا، فقد باتت القوات المسلحة تهيمن على نحو 60% من الاقتصاد المصري و90% من أراضي البلاد، وتستغل آلاف المجندين للعمل مجانا في مشاريع تنافس بها القطاع الخاص.
 
وحذر الموقع من تأثير الانشغال بتوسيع الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، وتوزيع المكاسب المالية، على مدى جاهزية القوات المسلحة للقتال وخوض الحروب دفاعا عن الحدود.
 
كما حذر مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط في دراسة نشرها في أبريل 2015 من أن الانقسامات داخل الجيش المصري قد تظهر على السطح؛ بسبب صراع الجنرالات على الإيرادات الهائلة للإمبراطورية الاقتصادية، خاصة أن الحصة الأكبر من الامتيازات يحصل عليها كبار القادة ويحرم منها الضباط الصغار والمجندون.
 
وفي ظل انعدام الرقابة والسرية التامة التي يفرضها الجيش على أنشطته الاقتصادية، بحجة الأمن القومي، لا يعرف أحد على وجه اليقين حجم الثورة الطائلة التي يديرها الجيش، ولا كيفية توزيع الأرباح على القادة الكبار.
 
وقالت شبكة "بي بي سي" في تقرير لها في حزيران/ يونيو الماضي إن إمبراطورية الجيش الاقتصادية أصبحت دولة داخل دولة، فتحولت ثكنات الجيش إلى مشروعات استثمارية عملاقة لا يعلم أحد أين تذهب أرباحها!.
 
وفي المرة الوحيدة التي حاول المجتمع المدني الاقتراب من مشروعات الجيش الاقتصادية وإخضاعها لرقابة البرلمان، قال اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية في مؤتمر صحفي عام 2012، إن الجيش سيقاتل على هذه المشروعات، ولن يسلمها لأي سلطة أخرى أيا كانت؛ لأنها عرق الجيش".