سياسة عربية

معهد واشنطن: هذه كتب الدراسة والأدب التوجيهي لتنظيم الدولة

مشفى ام المؤمنين عائشة - منبج - حلب - تنظيم الدولة - سوريا
تشكّل معركة الأفكار مسرحا حيويا لصراع تنظيم الدولة، وقد بذلت الجماعة جهودا كبيرة لتطوير مكتبها الإعلامي الخاص، بشكل منفصل عن سلاحها الدعائي، بغية تلقين جمهور متنوع، بحسب يعقوب أوليدورت الباحث الأميركي المختص في تاريخ الجماعات السلفية وعقيدتها.
 
 ويقول أوليدورت في تقرير له نشره معهد واسنطن، أن لمكتب الملقّب بـ “الصحافة الحماسية” يسعى إلى تعزيز صلاحيات التنظيم بصفته وريث التقاليد الإسلامية الشرعية من خلال نشر مختلف (الوثائق المعلوماتية) من الكتب الدراسية الخاصة بالأطفال إلى الأدب التوجيهي الذي يتناول التقوى الشخصية إلى التعليقات الطويلة على المؤلفات العلمية.
 
 إلا أن هذه المقاربة التي تمتد على مستويين وتهدف إلى تلقين (العديد من الفئات العمرية) تتطلب تسويات، الأمر الذي يترك تنظيم الدولة عرضة لتحديات إيديولوجية?—?وهذه نقطة ضعف ينبغي على صانعي السياسات النظر في استغلالها. 
 
 وعلى أحد المستويات، تروّج الكتب الدراسية والأدب التوجيهي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» الهوية السنيّة بمعناها الأصولي والحصري والتفسير السلفي للإسلام الذي يرتكز على القرآن والحديث فحسب. وفي الوقت نفسه، يعمد الكثير من هذه الكتب إلى تعليم القراء الأولويات والمعتقدات الخاصة بـ تنظيم الدولة، أي النظرة التشاؤمية المروعة للعالم والتشديد على إعادة بناء الخلافة وتأسيس دولة إسلامية سلفية وممارسة العنف المتطرف.
 
 ويشير كاتب التقرير إلى أن هذا الترويج لأولويات تنظيم الدولة هو ما يجعل التلقين الذي تمارسه الجماعة فريداً من نوعه من حيث الدعوة إلى القتل، ويتميز عن التعصب الديني المروّج له في الكتب الدراسية الدينية في المملكة العربية السعودية. إن كتب التنظيم المخصصة للأطفال تهدف صراحة إلى إنشاء “جيل جهادي” وتتراوح المواضيع التي تتناولها ما بين وحدة العائلة الإسلامية السليمة ومهارات استخدام الأسلحة.
 
 وبالمثل، يضيف الأدب التوجيهي للجماعة تحريف للمفاهيم الإسلامية التقليدية?—?وهو تحريف فريد من نوعه خاص بتنظيم الدولة، فعلى سبيل المثال، من أجل تطبيق مفهوم “الهجرة” تعلن منشورات التنظيم أن على المسلمين أن يسافروا إلى الأراضي التي بنيت عليها “الدولة الإسلامية”.
 
 ويفيد الأدب “الداعشي” أيضا بأنه يجب أن تُدفع المساهمات والتبرعات المطلوبة من جميع المسلمين إلى تنظيم الدولة، إذ تعتبر الجماعة نفسها المعقل الوحيد الحقيقي للإسلام. وعلاوة على ذلك، غالبا ما ينظر التنظيم إلى القضايا التي يعتبرها المسلمون مسائل تقوى شخصية (على سبيل المثال، طول اللحية) ويتعامل معها على أنها قضايا متعلقة بالطاعة المدنية، الأمر الذي يبرر معاقبة من يرتكب “الانتهاكات”. 
 
 وتعيد منشورات “الصحافة الحماسية” أيضاً تصنيف الشخصيات الإسلامية التاريخية والنصوص كجزء من التقاليد الخاصة بـ تنظيم الدولة، ولاسيما أعمال محمد بن عبد الوهاب الذي يعتبر أب السلفية في المملكة العربية السعودية. وغالبا ما يهدف هذا الأدب إلى تشويه سمعة الدولة السعودية والمؤسسة الدينية، على الرغم من أن بعض المنشورات تصدر كمواد مرجعية أكثر وضوحا (على سبيل المثال: الأطروحات التي تتناول قواعد اللغة ومجموعات الحديث).
 
 وتتراوح تكتيكات التجديد وإعادة الوسم من استخدام الصور الخاصة بتنظيم الدولة إلى التغييرات الأكثر دقة في الخطاب. فعلى سبيل المثال، غالبا ما يدرج التنظيم صوراً لعلمه وأسلحته في الكتب الدراسية التي تتناول اللياقة البدنية والرياضيات ومواضيع أخرى وغالبا ما يضيف هذه الصور إلى صفحات أخذت من مصادر أخرى.
 
 وتُظهر الكتب الدراسية الأخرى عملية إعادة صياغة أكثر تعقيداً للمنهج الإسلامي الكلاسيكي، على سبيل المثال من خلال بعثرة رسائل الدعاة الجهاديين التي تتضمن فصول تتناول الشعر العربي الذي يعود إلى القرون الوسطى، أو عبر تصنيف “الدولة الإسلامية” على أنها المرحلة النهائية في تاريخ الحكومات الإسلامية.
 
 ومن خلال قيام تنظيم الدولة بنشر كتب مدرسية تلبّي أولوياته الفريدة من نوعها، يتعين عليه استخدام مراجع إيديولوجية مختلفة. فعلى سبيل المثال، من خلال عمل التنظيم على تجميع الأطروحات الإسلامية التي تتناول بناء الدولة، لجأ إلى استخدام مراجع تعود إلى أعمال علماء صوفيين وآخرين من القرون الوسطى، كان سيشجبها الجهاديون الآخرون بشكل قاطع.
 
 وفي ضوء هذه العوامل وغيرها، يُفتح باب الفرص على مصراعيه أمام صانعي السياسات للقضاء على التعاليم الإيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية. أولاً، يتعين عليهم أن يدركوا أن التنظيم يستغل الثغرات الفعلية في النظام التعليمي في المنطقة لتحقيق غاياته الشائنة؛ وتتفاقم هذه الثغرات من جراء الصراعات الحالية. ولا يملأ التنظيم هذه الفجوات من خلال الكتب الدراسية فحسب بل أيضاً بواسطة التطبيقات المحمولة ووسائل الإيضاح البصرية وغيرها من المواد. 
 
 ولكي تحارب أمريكا أفكار التنظيم، علما أنها لا تمتلك السلطة حول هذا الموضوع، تستطيع أن تشجع الشخصيات الدينية في المنطقة وفي أي مكان آخر على استعادة هذه التقاليد التي استولت عليها المنشورات الصادرة عن تنظيم الدولة.
 
 وأخيرا يختتم يعقوب أوليدورت تقريره بالقول: “يجب أن تلجأ الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمواجهة التطرف العنيف بشكل أكبر نحو التكتيك الرئيسي وهو تشجيع نشر روايات عن الذين فرّوا من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وخاب أملهم بسبب إيديولوجيته”.