كتاب عربي 21

تحديات حراك الأرض

1300x600
لم يتصور الحاكم أن قراره المنفرد بالتنازل عن جزء من الأرض المصرية سيتسبب بتفجير الغضب المتراكم الناشئ عن إدارته السيئة للبلاد، وتصوُّر أن الأمر مقتصر على الغضب من ذلك القرار "فقط" تصور مغلوط، فالتفريط في السيادة والكرامة سلوك لازم له، وآية ذلك أنه لم يخرج احتجاج على تنازله عن حقول الغاز بالبحر المتوسط -للعدو الصهيوني وأيضا قبرص- رغم أنها حقوق مصرية بل واحتياجات في ظل استيراده من العدو وغيره، صحيح أن هناك من تحركه نوبات الغضب إذا ارتبطت بالعربي، ويتجاوزها إذا كانت لغيره، لكن اتساع رقعة الغضب أمارة لوطنية الحراك لا أدلجته، وأنه مرتبط بتراكم الغضب من الأخطاء والفشل المتتالي في إدارة شؤون المعيشة والملفات الأمنية والسياسية.

التساؤل المطروح هو: هل نجح النظام في إجهاض الحراك؟ فمنذ الخامس والعشرين من إبريل لم تخرج تظاهرات بالشارع كما حدث يومها.

يوم الخامس والعشرين من إبريل -وما قبله- قام النظام بحملة اعتقالات طالت قيادات الحركات الشبابية واعتقلت أغلبها مما أثّر بشدة على قرار استمرار الفعاليات بالشوارع، كما أنه قام في ذلك اليوم باستنفار عشرات الآلاف من قوات الأمن لكبح التظاهرات، مع وجود قرار بعدم استخدام الرصاص الحي للفض، على الأقل في بداية الفعاليات المحدودة عدديا، وعدم السماح بزيادة حجمها حتى لا يضطر لاستخدامه، مما سيزيد حجم الغضب والاحتقان والإحراج الدولي كذلك، وبالفعل نتج عن تحركه هذا الهدوء الملحوظ في الشارع، لكن الذي غاب عنه أن أزمة نقابة الصحفيين -وهي في أصلها متصلة بملف الجزيرتين- كانت مسارا آخر لاستمرار الاحتجاج بتكلفة أقل، ولو غابت تلك الأزمة سيتجدد الحراك بالشارع، وهو ما يسعى له النظام بشكل حثيث ظنا منه أن الإنهاء سيزيل ما تبقى من صور الغضب الذي انتقل للنقابات بدلا من الميادين.

تجدر الإشارة هنا إلى تفاوت قوى المعارضة على الأرض، فما أشارت له حملة الاعتقالات أن هناك تيارا واسعا، تم اعتقال قياداته وقتل بعضهم وهرب الباقين منهم، وهذا التيار الواسع اعتقل من أفراده والمتعاطفين معه ما يقارب الستين ألف فرد، وقتل منه المئات، وتواجه أهم حركاته وأقواها أزمة تنظيمية هائلة قسمته بالفعل لتنظيمين، لكنه رغم ذلك لا يزال موجودا بالشوارع، صحيح أن تواجده الحالي محدود، لكنه ما زال قادرا على التحرك بدون تسلسل قيادي "مركزي"، هذه الصورة لا يمكن إغفالها ولا تجاوز هذا التيار وطلب التحرك بدونه أو وضعه في مربع الخصومة، وفِعْل ذلك حماقة في قراءة المشهد، وهو نفس ما فعله النظام باستعداء نفس الأطراف لبعضها ليتحرك معهم كل على حدة، فصفا له الجو، ووقوع التيار الواسع في ذلك الخطأ نشاهده الآن من أطراف اتهمته بالحماقة حينها، مع فارق في الانحيازات.

حراك الأرض يحتاج لاستمراريته ولن تحدث سوى باتفاق الطراف المعارضة كلها على شكل الحراك وسقفه، ولن يقدر طرف على الدخول في مواجهة آلة القتل والقمع وحده، دون ظهير سياسي وأيضا شعبي، فما يحتاجه الحراك إدراك ذلك أولا.

ثم هناك أمر متعلق بذلك التيار الواسع المتشابك مع ثقافة المجتمع، وهو أن يُصدر تطمينات لأكثر من طرف، بإصدار وثيقة، يؤكد فيها على موقفه من الحريات بشكل عام، وشكل الدولة، وتصورهم لنسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وفصل الأحزاب عن الحركات وعدم وجود روابط تنظيمية بينهما بشكل جاد وحقيقي، وكل ذلك ليس من قبيل الترف بل هو من أساسيات الحراك، وكذلك لا بد من وجود تصور للتعامل مع التطورات سواء كانت التطورات عاجلة أو بعد سنوات، ولا يمكن التعويل على حركات لا تتصور ما يمكن حصوله إذا حدث اختراق في المشهد في أي لحظة، بالمقابل يحتاج ذلك التيار الواسع لتطمينات من الأطراف الأخرى تضمن عدم استدعاء المؤسسات الرسمية الأقوى للمشاركة في المشهد.

ومن جهة أخرى فهناك الاتصالات التي تجريها أطراف من نواة الحكم الصلبة مع أطراف معارضة، وهو أمر يحتاج لتقارب الرؤية فيه بشكل كبير ربما يبلغ حد التطابق بين أطراف معارضة الحكم، حتى لا يتم التلاعب بنتائج الحراك حال تطوره ليبلغ مدى غير متوقع، وفي كل الأحوال لا ينبغي أن يخرج التصور عن أمرين: استعادة الحريات، والاحتكام للشارع باعتباره هو الفيصل أثناء النزاعات.