قضايا وآراء

تظاهرات الأرض.. دلالات ورؤى

1300x600
أقوى حراك ثوري جرى في مصر بعد الانقلاب العسكري، خرج بعد مذبحتي فض رابعة والنهضة، وكان أقوى بكل تأكيد من الحراك المحتج على بيع الجزر المصرية.

ولا يرجع ذلك لبعد فكري أو أيديولوجي، ولا لحالة فتور أو إحباط أصابت الجماهير المصرية، ولكن ترجع لتحول قطاع كبير من الجماهير لضرورة استخدام الردع والقوة تجاه العصابة المستولية على مقاليد البلاد، وقناعتها بقلة جدوى التظاهرات السلمية.

وأمام إصرار قيادات الحراك على السلمية المطلقة التامة التي تبلغ حد الاستسلام، انصرف قطاع لا بأس به عن المشاركة في التظاهرات.

هذا القطاع يفتقد للقيادة والرؤية، وبالتالي فما لديه من قناعات بضرورة استخدام الردع، على نسب متفاوتة بين أفراده إلى أي مدى تكون القوة، مجرد أفكار غير تنظيمية ولا تحمل أي بعد استراتيجي، ومن ثم لا تتجاوز أذهان أصحابها إلا في مجرد كتابات على مواقع التواصل، ربما تصل في بعض الأحيان لطاقة سلبية.

ثانيا: القوى الإسلامية تظل هي عصب النضال من أجل الحرية والكرامة على الرغم من محاولات إقصائها، وعلى من يخالفونها في التوجهات الفكرية أن ينضموا لها ويحتموا بها في أي صراع ضد الظلم والطغيان. وأي محاولة لتهميشها ترمي بأصحابها مباشرة في معسكر الباطل.

بدا هذا في أفراد من مورثات المعارضة القائمة وفق تفاهمات أمنية، والقادمة من نظام المخلوع مبارك وجبهة الإنقاذ، إذ أطلقت تلك المورثات حملة تحت اسم الحملة الشعبية لحماية الأرض، وأعلنت التظاهر وقيادة المظاهرات، ولما جد الجد اختفت وما رأيت لها أثرا. إذ الترتيبات الأمنية لم تسمح لها، فتحولت محاولة التلميع والصعود على النضال الجماهيري لانطفاء ما بقي من الزيف والبهرج، والمفترض طي صفحة هؤلاء لدى أتباعهم، أو من كان ينتظر منهم خيرا؛ بعدما شاهدوه.

ثالثا: الثائر صراعه مع السلطة على الجماهير، فهدفه كسب القلوب وإقناع الجمهور بعدالة القضية التي يحملها، وبضلال السلطة وانحرافها. وهو ما نجح فيه الثوار على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، فانكشفت السلطة وتعرت من كل سبب لبقائها، واتضح أنها حثالة من العصابات تعتمد على القوة المسلحة. وبعد التنازل عن أرض الوطن، أصبحت هي ومن يدافع عنها عبارة عن مرتزقة تتحرك وفق من يدفع لها.

وقد فشلت السلطة في حشد أي مؤيدين لها حتى ولو بالمال، والأفراد المعدودون الذين أخرجوهم لإعلان التأييد لها أضحوا مثار ضحك وسخرية، وبعضهم يحتاج لمصحة نفسية لتوفير الرعاية الملائمة له، كما أن بعض رجال السلطة بحاجة لها أيضا.

السلطة نجحت في نشر البؤس، وهنا لا بد للثورة من نشر الأمل في المقابل بناء على رؤية واضحة للمستقبل، ترفع الظلم عن القطاعات المنكوبة في المجتمع. فالهدف ليس إسقاط النظام، ولكن بناء نظام من العدل والرخاء، وهذا كان هدف الحروب التي خاضها المسلمون ضد أنظمة الطغيان، فربعي بن عامر كان يقول: "إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان لعدل الإسلام". وهذا يعني الحرية ومجتمع الرخاء والوفرة الاقتصادية والمساواة بين أفراد المجتمع في ظل العدل. قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".

فالبؤس بدون أمل يعني الإحباط والعدمية، وهو ما يدفع الناس للاستسلام للألم دون حراك وكأنهم موتى، أما الأمل فهو الذي يدفع الجماهير لتحدي الواقع والعمل على تغييره.

رابعا: الثورة كانت وما زالت في مفترق طرق بين أصحاب الحل السياسي والحل الثوري، الحل الثوري يعني أنه لا حل سياسيا إلا بعد استسلام الثورة المضادة، أم الحل السياسي (منتصف الطريق) هو إعادة للثورة المضادة التي ستكون مهمتها تدمير الأمل في نفوس الجماهير لتكفر بالثوار، من ثم يستفردون بهم ثانية.

لو أن الجيش أمره بيده، وهو من يحكم بالفعل، لأمكن التفاهم معه في حل سياسي، أما القوة الحاكمة، دولية كانت أو إقليمية، فهي لا ترى أي خسائر لها في ظل بقاء الوضع على ما هو عليه، فستستمر في دعم الحالة القائمة لحين تجد البديل المناسب لها، وبناء حل سياسي مع الثورة. وهو ما يعني أن بعض الإصلاحات تقوم على تدمير الأمل لدى الجماهير في المدى القصير أو المتوسط في أحسن الأحوال.

القوى الدولية والإقليمية ورطت مصر في مجموعة من الاتفاقات تكفي لإفشال وتكبيل أي قيادة مستقبلية للبلاد، ونجاح القيادة المستقبلية للبلاد يعني تبنيها للحل الثوري أيضا مع تلك المنظومة، وهو ما يعني أن المنظومة الدولية والإقليمية عدو أساسي للثورة، وتفاهماتها تأتي من قبيل المكر وامتصاص الغضب الثوري، وأطروحاتها السياسية تعني تبديلا أو تعديلا شكليا للوضع القائم ليس أكثر.

القوى الأساسية التي تعرقل نجاح الثورة، أحمد سبع الليل (العسكري الغلبان). فاستمرار سبع الليل في الذهاب للتجنيد يعني استمرار من يحمي السلطة القائمة، فعلى الثورة إنشاء حالة وعي كامل لدى سبع الليل ليقف المدد الذي تستخدمه في إرهاب الجماهير.

قيادات الحراك عليها استيعاب بقية القطاعات التي توقفت عن المشاركة لرؤيتها المختلفة في المواجهة للسلطة، وضبطها في ظل منظومة إستراتيجية تخدم الحراك والثورة، ولا تخرج للشذوذ والإيغال. والعمل على حماية الحراك النضالي من عدوان العصابات المستولية على السلطة وإيقاف نزيف القتل والاعتقال المجاني، حتى تشجع المزيد من الجماهير الراغبة في الحركة.