مقالات مختارة

المبادرة الفرنسية تصفية للقضية

1300x600
كتب فايز رشيد: يجري التركيز الدبلوماسي حاليا، فلسطينيا وفرنسيا وربما أوروبيا وعالميا، على المبادرة الفرنسية التي سيجري طرحها على مجلس الأمن للحل بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.

لقد تعودنا من المسؤولين الغربيين، وفيما يتعلق بالتسوية في الشرق الأوسط، أن يقولوا كلاما جميلا في البداية، فيه بعض من الإنصاف لبعض الحقوق الوطنية الفلسطينية، وذلك بهدف استدراج الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات مع الكيان، وبعد (إنجاز) هذه الخطوة، يتراجع المسؤولون عن وعودهم السابقة، ويصطفّون بالكامل إلى جانب المطالب «الإسرائيلية»، وإلى جانب رؤية الدولة الصهيونية للحل. بالطبع يعود ذلك إلى أسباب كثيرة، لعل من أهمها الضغوط الخارجية والداخلية التي تُمارس عليهم من جانب «إسرائيل» واللوبيات الصهيونية في أوروبا، والتيار الصهيوــ مسيحي، وأصدقاء الكيان على الساحة الدولية، وفي البلدان التي يحكمها هؤلاء بشكل أساسي.

كذا كانت الحال مع أوباما الذي تراجع عن كل وعوده، ومن قبله أيضا كان كلينتون، وجورج بوش الابن وغيرهما، فكلهم تراجعوا عن وعودهم لصالح الكيان الصهيوني. دعونا نستعرض ما مرّ على ما اصطلح بتسميته (المبادرة الفرنسية الأولى، التي كانت في عهد ساركوزي) لقد انطلقت تلك من عودة المفاوضات الفلسطينية مع الكيان على أساس دولة للفلسطينيين على حدود 4 حزيران/يونيو 1967، وإخضاع القضايا المختلف عليها كاللاجئين والقدس وغيرهما إلى التفاوض بين الجانبين، وعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في باريس، يحضره الجانبان «الإسرائيلي» والفلسطيني، إضافة إلى الأطراف الدولية. هذا هو ملخص المبادرة الفرنسية السابقة، التي بالطبع لم يكتب لها النجاح. المبادرة الجديدة، قزّمت الحقوق الفلسطينية أكثر من السابقة.

كانت زيارة وزير الخارجية السابق فابيوس في حزيران 2015 إلى الكيان وإلى أراضي السلطة الفلسطينية جزءا من الجهد لتحقيق إجماع دولي لاتخاذ قرار في مجلس الأمن حول المبادرة. رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، رفضها، وكرر موقف كيانه حول الحاجة إلى مفاوضات مباشرة من دون ضغط خارجي. أما الطرف الفلسطيني، فقد أيد الخطوة. في شباط /فبراير2016، قبل وقت قصير من اعتزاله، أعلن فابيوس بأن فرنسا تعتزم عقد مؤتمر دولي في تموز (يوليو) الحالي لتحريك المسيرة وإنقاذ حل الدولتين. 

بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه، قام وزير الخارجية الفرنسي الجديد باستئناف للمبادرة، موضحا أن فرنسا لن تعترف تلقائيا بدولة فلسطينية إذا ما فشل المؤتمر الذي تدعو إليه المبادرة. وعلى حد قوله، فإن هدف فرنسا هو تجنيد الأسرة الدولية لتأييد الحل الوحيد الممكن، أي حل الدولتين، فيما الاعتراف بدولة فلسطينية ليس شرطا مسبقا لعقد المؤتمر، وبقراره هذا ألغى المسؤول الفرنسي نوايا سلفه.

تقضي المبادرة بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها، وعلى أن تستجيب الدولة الناشئة «للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية». وإجراء مفاوضات لا تزيد مدتها على 18 شهرا للوصول إلى حل الدولتين لشعبين مع الاعتراف بالطابع اليهودي لـ«إسرائيل».. حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بالاستناد إلى «آلية تعويض». 

على الطرفين وضع معايير تضمن أمنا لكلا الدولتين «إسرائيل» وفلسطين، وتحافظ بشكل فعال على الحدود، وتصدّ الإرهاب، وتمنع تدفق الوسائل القتالية، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح. الانسحاب الكامل للجيش «الإسرائيلي» وعلى مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها. واعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقا مؤقتا.

المقصود.. القول إن باريس تعترف بما يطالب به الكيان من تعديل للحدود. والتعديلات التي يطلبها كثيرة منها الإبقاء على المستوطنات والمستوطنين، والطرق الالتفافية والجدار العازل في الضفة الغربية، أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على أقل من 18% من مساحة الضفة الغربية بالإضافة إلى قطاع غزة، دولة بكانتونات متفرقة مقطعة الأوصال. الهدف الحقيقي للدولة الصهيونية هو التخلص من الكثافة السكانية العربية في أراضي 1948. 

ويتوجب القول إن فرنسا اعترفت بـ«يهودية الدولة الصهيونية» وهو ما يقطع الطريق على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، الأمر الذي يشي بأن ما جاء في المبادرة الفرنسية من إخضاع قضايا الخلاف بين الجانبين «الإسرائيلي» والفلسطيني كحق عودة اللاجئين والقدس للمفاوضات يقطع الطريق على كل ما طرحته فرنسا في مبادرتها الجديدة، ألم تفكر فرنسا بذلك حين صاغت مبادرتها؟

خلاصة القول، إن هذه المبادرة وفي ظل إنكار الجانب الصهيوني ومن خلفه الداعم الأمريكي لأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني سوف لن تؤدي إلا إلى مفاوضات عبثية ماراثونية جديدة، مع ما يقابل ذلك من لهفة من سلطة أوسلو للجلوس ثانية على طاولة المفاوضات، التي قد تكون دولية في ظاهرها وثنائية في جوهرها، فما لم توافق عليه دويلة الاحتلال لن يتبناه المؤتمر الدولي، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مرتكزات الشرعية في كل ما يطرح، غائبة وغير معترف أصلا بوجودها.

(عن الخليج الإماراتية)