كتاب عربي 21

معاذ الله أن تكون دولة لبنان كذبة نيسان

1300x600
كما اشتعلت الأسبوع الماضي الحمية الوطنية المفرطة عند لبنانيين ضد "امبراطورية أحلام" وإساءتها إلى ممثل وصحفية فنّية، فقد اشتغل لبنانيون آخرون هذا الأسبوع على تجريم جريدة الشرق الأوسط واجتياح مكاتبها في بيروت؛ لنشرها رسما كاريكاتوريا يخلو من الحرفية والظرف والإبداع يصف الدولة اللبنانية بكذبة الأول من نيسان.

وإنه لافتراء عظيم، فدولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي خطيئة تاريخية أفرزها الاحتلال الأوروبي الذي قسم الوطن العربي إلى كيانات مصطنعة، بحسب فكر البعثيين والقوميين العرب.

ودولة لبنان ليست كذبة نيسان، فانفصالها عن دولة سوريا الطبيعية جريمة يجب أن تبذل كل الجهود لتصحّح، في فكر مكوّن سياسي لبناني وازن اسمه الحزب السوري القومي الاجتماعي.

ودولة لبنان ليست إلا سلخا غربيا ماكرا لجزء من "ولاية الشام" عن محيطه الإسلامي الطبيعي، بحسب اعتقاد معظم الإسلاميين.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، فهي جزء من جمهورية أكبر يصعب ضمّه الآن إليها، "فكرة الدولة الإسلامية في لبنان حاضرة على مستوى الفكر السياسي، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن خصوصيات الواقع اللبناني لا تساعد على تحقيق هذه الفكرة، فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة، ونحن لا نستطيع إقامتها الآن لحاجتها إلى حماية"، بحسب التصريح الصريح للسيد حسن نصر الله.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي تحمل عن جدارة لقب "دولة المزرعة" الذي أطلقه عليها رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رشيد كرامي. وهي شرف الجندية في ولاية الفقيه في إيران، وهي تبعية أكبر كتلة نيابية فيه إلى السعودية. هي رئيس جمهورية يدخل القصر الرئاسي على ظهر دبابة إسرائيلية، ورؤساء جمهورية يختارهم ويفرضهم رئيس سوريا وضباط مخابراته.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي السهل الممتنع والنفايات المستعصية وفضائح الهاتف الخليوي وشبكات الدعارة المحمية والتهريب والتزوير والغذاء الفاسد. إنها علم ينزع عن ساريته ويرمى على الأرض في غزوة حزب الله لبيروت في 7 أيار 2008 ليرفع مكانه علم الحزب.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي عدالة تعمي عيونها عن المتهمين دوليا بقتل رفيق الحريري ورفاقه، وتطلق جهارا نهارا وزيرا متلبّسا بالصوت والصورة بنقل متفجرات من سوريا وتشكيل عصابة لزرع الموت والفتنة الطائفية، وتدير ظهرها لمتهمين بالإشراف على تفجير مسجدين فوق رؤوس المصلّين.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي حروب أهلية مفتوحة على الموت والدمار باستثمارات مالية ضخمة، ثم باستثمارات أخرى راجعة بدعوى إعادة الإعمار. وهي رحيمة على عملاء "إسرائيل" المدانين بتهم التجسس والخيانة وشديدة على فقراء السجون الممنوعين من المحاكمة.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي صحف تستدرج تمويل الأنظمة والتنظيمات لها مباشرة على الهواء النظيف. وهي إعلام أرهق الدافعين في الرياض وطهران والدوحة والسفارة الأمريكية في بيروت، وقبلهم مصارف القذافي وصدّام وآخرين.

دولة لبنان ليست كذبة، بل هي كيس مال مثقوب اسمه وزارة مهجرين لا يوجد نظيرة لها حتى في جزر الماو ماو، ولم تنجح في إعادة مجموعات صغيرة من المهجرين داخل الوطن منذ أربعين سنة.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل قتل على الهوية وسرقات باسم الطوائف والإنسانية والدين. وهي قرار سلم وحرب وهجوم ودفاع وقتال طائفي عابر للحدود لا تملكه الدولة، بل الدويلة الحاكمة للدولة.

دولة لبنان ليست كذبة نيسان، بل هي نشيد وطني مسروق بحسب الفنان غسان الرحباني سليل العائلة الرحبانية المعروفة. وهي التي تبرأ منها جبران خليل جبران فقال: "لكم لبنانكم ولي لبناني".

معاذ الله أن تكون دولة لبنان كذبة نيسان، فهي كذبة كل أيام السنة نكذبها كل ساعة وندرك أننا نكذب، فالحقيقة الوحيدة عندنا هي الطائفة بالمفهوم الهمجي، وهمج الطوائف لا يصنع دولة.