كتاب عربي 21

المقاومة و"انتي فيروس" القاعدة

1300x600
الاختلالات الأمنية في المناطق المحررة بالجنوب توغل نصلها في جسد المقاومة وحلم الانتصار، حتى كاد الجسد المقاوم أن يسقط مثخنا بجراحه ومضرجا بدمائه الزكية.. فالإهمال المتعمد للمقاومة الجنوبية، والتعالي على جراحات ونضالات الشهداء والجرحى والمقاتلين جرح كبرياء المقاومة وأشعرها بالانتقاص، والذهاب إلى أدوار خلفية بعد أن كانت في المقدمة.

هذا الشعور بالانتقاص يفسره إصرار المقاومة على العودة إلى صدارة المشهد من خلال الفعل التسلطي، ومحاولتها فرض كلمتها في المؤسسات الحكومية من المطار إلى المدارس ومن الميناء إلى مصلحة الواجبات، ما جعلها تتحول إلى جماعات للجباية وفرض الإتاوات والاعتقال والمساءلة خارج القانون وخارج أطر الدولة.

ولو أن الدولة بسطت سيادتها وعملت على تهدئة المقاومة وتفكيك مكامن خطورتها بالتدريج دون انتقاص من قيمتها، وإعطائها القيمة والمقام الذي تستحقه لكانت عدن هي عاصمة الأمن والسلام.. وربما تصبح عاصمة الدولة الاتحادية القادمة.

عدن اليوم تقدم الوجه الأبشع لانتصارات المقاومة، ومقتل أربع راهبات مسيحيات فيها سيثير ضجة غربية بلا حدود، وسيبدأ حديث الغرب عن الإرهاب وينسى الحوثي، هذا إن لم يدعمه باعتباره "أنتي فيروس" القاعدة.

وهي بالفعل مجزرة مروعة أنكرها حتى تنظيم القاعدة وكل الفصائل المسلحة في عدن، فاقتحام دار للعجزة والمسنين وقتل 12 منهم، وأربع راهبات واختطاف قس هندي جريمة يسود لها وجه الضحى.. والتسارع في إنكار الصلة بالجريمة يؤكد أن وراءها أجهزة مخابرات تريد التأكيد على شيء واحد هو حضور الإرهاب حيثما غابت "الحوثية"، متجاهلين عمدا أن "الحوثية" هي الإرهاب في أبشع صوره، وأن الجماعات الإرهابية لم تعش عصرها الذهبي إلا في عهد الحوثي.

ومع ذلك، لا شيء يعفي قادة الأجهزة المدنية والأمنية في عدن من المسؤولية، فالغرب بحكوماته ومنظماته وإعلامه لا يعرف شيئا اسمه الحوثي، وإذا عرفه لا يعترف بخطورته.. بل يعرف جيدا شيئا اسمه  Terrorism "الإرهاب".. يعرف القاعدة، يعرف ISIS "داعش".. لأنها أسماء تهدد مصالحه وأهدافه في بلداننا.. أما الحوثي فهو صنيعته وخميرته المسمومة للجزيرة والخليج.

إعلام الغرب سيحرك الآن ماكنته، ويظهر جثامين الراهبات ويبدأ بالتسويق للخطورة، في مقابل التسويق للمقاول الحوثي، فهو في نظرهم الشريك الأساسي في مكافحة الإرهاب.

وقد قالوها، وسيقولونها مرة أخرى: "مقاومتكم فيها قاعدة وداعش" ونخاف أن تكون التنظيمات المسلحة هي الحاكم والبديل في مرحلة ما بعد النصر، وبدليل ما يحدث في عدن.. أما تعز فقد بدؤوا بخطوة استباقية من خلال الفيلم الوثائقي لـBBC الذي أعدته الناشطة البحرينية الشيعية صفاء الأحمد.. تحدث عن تعز ومأساتها؛ ولم ينس التخويف بالقاعدة.

أن تأتي تصريحات ناقدة من رجل بحجم بابا الفاتيكان يدين فيها مقتل الراهبات بعدن، تليها مطالب من وزير خارجية الهند بالإفراج عن قس هندي تم اختطافه من داخل الدار المستهدفة، فهذا مؤشر خطير قد يقود إلى تحريك أوراق ضغط دولية عديدة على دول التحالف للتوقف عن قتال الحوثيين الانقلابين والإنصراف إلى القاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى، مع أن دول التحالف لم تهادن "القاعدة" أو تغض الطرف عنها بل استهدفت مواقع هامة لها في أبين وشبوة وحضرموت.

عدن تذرعت كثيرا بالرئيس السابق وأذنابه، ونسيت إيران وأذرعها، وفلتان أمنها اليوم يحرم الجنوبيين من حقهم في العيش الكريم، بعد نضال مرير مع المليشيات، ولا حل في الأفق إلا باحتواء المقاومة في كل مؤسسات الدولة، ثم نزع سلاحها.

فيما مأرب لا تزال ولادة للبشائر والانتصارات والمحافظة على تماسك جبهتها، وتقدم الوجه المشرق للغد الذي ينتظرنا، ونسعى إليه.
 
وأتمنى من الإعلام المحلي والغربي التركيز على ذلك الوجه السبئي المدني المضيء، حتى لا تختطف التخويفات بالإرهاب ذهن المتلقي العربي والغربي، فاليمنيون يستحقون ما هو أفضل لمستقبلهم، ومستقبل وطنهم وأحفادهم، وقد اختبرهم الخليجيون لعقود طويلة، مثلما عرفتهم مصانع وجامعات أوروبا وأمريكا وآسيا، وعرفوا النزعة المدنية للمواطن اليمني، وحبه للعلم والحياة.