قضايا وآراء

الثبات صفة المؤمنين

1300x600
الثبات صفة من صفات المؤمنين يأمرهم بها ربهم ويحثهم عليها.

والثبات يحتاج إلى نية خالصة، وإيمان صادق في وعد الله ووعيده، وعمل بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد خاطب رب العزة المؤمنين بالثبات عند ملاقاة الأعداء على أن يستعينوا بذكره حتى يحقق لهم النصر والفلاح.

(يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وأَطِيعُوا الله ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ (46)) سورة الأنفال.

ويقول الإمام البنا، رحمه الله، عن ركن الثبات:
"وأريد بالثبات أن يظل الأخ عاملا مجاهدا في سبيل غايته، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية".

والثبات على تكاليف الإيمان والعمل بها إنما هو جهاد يحتاج إلى صبر، وأمانة ذات أعباء، فقد روى حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله: "كيف أصبحت يا حارثة؟".

فقال رضي الله عــنه: "أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله".

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تقل قل حقيقة فما حقيقة إيمانك؟".

قال رضــي الله عنه: "يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أرى عرش ربي بارزا، وأرى أهل الجنة يتزاورون وأرى أهل النار يتضاغون".

فقال النبي صل الله عليه وسلم: "عرفت فالزم".

كما روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال يا رسول الله: "قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك".

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم".  

فالثبات يعني الصمود على طريق الحق مهما لاقى المؤمن من الابتلاءات، فما يدري أن عدوه يلاقي أكثر منه، فالخوف والرعب وجهل الهدف والفقد في تحقيقه من البلاء الذي يصيب الأعداء ولا نشعر به أحيانا، ولذا يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: (فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر، فأثبت الفريقين أغلبهما، وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون، وأنه يألم كما يألمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون، فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه، وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار).

والثبات هو الإقدام والشجاعة التي أمر بها ربنا تبارك وتعالى عند ملاقاة الأعداء فقال في سورة الأنفال (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (45).

إن طريق النصر طريق ليس من السهل بمكان، فهو طريق طويل المدى، متعدد المراحل، كثير العقبات كما بين الإمام البنا لمريديه، ولذا فإنه يحتاج إلى إعداد جيد للنفس لتثبت عليه، ولا تتزعزع لحظة حتى يحققه الله لها أو الشهادة دونه.

كما أن الثبات على الطريق يحتاج إلى أخوة مخلصة، صادقة، مترابطة ذات هدف واحد وإن تنوعت وسائلها أو اختلفت آراؤها، فلن تخالف مبادئها أو تحيد عن غايتها.

فالاختلاف يولد الشحناء والتباغض والتنازع الذي يؤدي بدوره إلى الفشل.

فنحن نختلف ولا نخالف، والمؤمنون يد واحدة على من سواهم.

ويقول الإمام البنا في إحدى رسائله: (إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول.. أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها، إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدؤوب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات).

لقد تربى الصحابة على هدى نبيهم صلى الله عليه وسلم فصبروا وثبتوا ولم يضعفوا ولم يستكينوا حتى لقوا ربهم، فمنهم من فاز بالشهادة ومنهم من أقر الله عينه بالنصر، فاصبروا واثبتوا وأوفوا بالعهد حتى تلقوا الله.

(مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (23) سورة الأحزاب.