سياسة عربية

أدونيس يؤيد هيثم مناع ويريد "كفاحا ضد الشر وضد الدين"

أدونيس: لا ديقمراطية دون فصل الدين عن الدولة ـ DW
أكد الشاعر أدونيس أنه لم يكن مندهشا أبدا من الانتقادات الحادة التي وجهت له وللجنة تحكيم جائزة إيرش ماريا ريمارك للسلام، ولكنّ ما أدهشه حقا هو جرأة أعضاء اللجنة التي أثارت إعجابه.

وقال في مقابلة أجرتها معه قناة (Dw) الألمانية: "أنا أعتقد أن أعضاء لجنة التحكيم هم مفكرون كبار، والمفكرون الفعليون يعرفون موقفي، وهم صوتوا بالإجماع لصالحي. الذي أدهشني هو جرأة أعضاء اللجنة، فقد برهنوا على جرأة أخلاقية تثير إعجابي".

وامتدح أدونيس خلال اللقاء الذي اطلعت عليه "عربي21" ما أسماه "المعارضة الداخلية التي وقفت ضد العنف في سوريا ويقودها هيثم مناع"، مبديا تأييده المطلق لها، وأعلن استمراره في رفض "معارضة الخارج"، بمبرر أنها "عنيفة وتقوم على نهج السلطة الدينية، وهي تتعاون أيضا مع الأمريكيين وكذلك مع الأوروبيين". 

وشدد على أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون إلى جانب الحرية وتحرر الشعوب، ولم تكن يوما إلى جانب الديمقراطيات، فهي متحالفة مع أسوأ الأنظمة في العالم، مع المملكة العربية السعودية وقطر"، على حد تعبيره. 

وأكد أدونيس مطالبه بفصل الدين عن الدولة قائلا: "إذا كانت أوروبا قد تمكنت من فصل الدين عن الدولة، فلماذا لا يتمكن العرب من فعل الشيء نفسه، وهم الذين كانوا في التاريخ الباكر متطورين وأحرارا؟". 

وهاجم الدين الإسلامي مؤكدا أنه "كان في الماضي يجسد الحلول في شتى المجالات، أما اليوم فهو يمثل بالأحرى المشكلة. الإسلام هو دين شمولي، إنه يفرض حدودا معينة على الحياة الشخصية والخاصة. أما إذا بقي الإسلام عقيدة شخصية ولا يلزم إلا الفرد بحد ذاته، فلا مانع لدي، أنا من مؤيدي تمتع الفرد بالحرية. لقد كنت وسأبقى ضد الإسلام المؤسساتي الذي يفرض بالقوة على المجتمع بأسره"، بحسب قوله.

النظام الديكتاتوري أو الحكم الإسلامي؟


ورفض القبول بالنظام الديكتاتوري أو الحكم الإسلامي، مشددا على ضرورة "الاستعداد للمضي في المقاومة والتضحية. مشكلة قائمة منذ أربعة عشر قرنا لا يمكن أن تحل في غضون أسبوع أو سنة، ويجب أن يستمر الكفاح ضد الشر وضد الدين، فهذه الأنظمة هي نتاج نظام ديني شمولي".

وأضاف "أنا تعاملت في كل حياتي مع نظام المعارضة الداخلي، الذي يطالب بالعلمانية والحريات الديمقراطية وبفصل الدين عن الدولة، لأنه يستحيل قيام ديمقراطية أو مجتمع مدني يلزم أفراده بالواجبات نفسها، لكن لا يمنحهم الحقوق نفسها. فالديمقراطية تبدأ بفصل الدين عن الدولة. فليعلنوا في خطاب جديد هذه الأمور وكلنا نسير في هذا الاتجاه، لكن مادام الخطاب غير موجود، فالكلام العام وغير الدقيق لا يفضي إلى أي نتيجة حقيقية".

وأكد أدونيس أن "الديكتاتورية هي نتيجة لأساس يتمثل بالدين، هو مزج السلطة السياسية بسلطة دينية، والأساس يجب أن يتغير. حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق كان نوعا من الإخوان المسلمين، ولكن باسم آخر. السلطة الواحدية التي لا تقيم أي وزن ولا تعترف بالآخر المختلف، هذه بنية دينية ويجب تغييرها أولا للبحث عن الديمقراطية. وبتغيير البنية الدينية تتغير مفاهيم الأكثرية والأقلية بحسب الانتماء المذهبي أو العرقي، وتصير الأكثرية والأقلية ديمقراطية. أي إن تغيير النظام وحده لا يجدي".

مهاجمة العصر العباسي

وهاجم العصر العباسي في التاريخ الإسلامي مؤكدا أنه "لم يتميز بفكره التقدمي، بل عرف بقتل كبار الكتاب والمفكرين مثل الحلاج وشعراء آخرين، ولم يكن متسامحا باستثناء المأمون. أما بقية الخلفاء، فكانوا طغاة وضد الثقافة ولم يشجعوا سوى الفقهاء". 

واستدرك بالقول: "حتى المفكرون لم يؤمنوا بالدين الإسلامي رسميا، فالغزالي عندما تكلم عن التصوف شُتم. يجب إعادة النظر في تاريخ مكتوب بشكل خاطئ. أما البقية فكانوا يؤوّلون الدين تأويلا عقليا ليتاح لهم الكتابة في الشعر والفلسفة وقضايا أخرى". 

ونوه أدونيس إلى أن "جميع الذين خلقوا الحضارة الإسلامية لم يكونوا مسلمين بالمعنى الرسمي. وهذه أمور صادمة لأولئك الذين لديهم أفكار خاطئة عن التاريخ العربي الإسلامي. لكن يجب قراءتها من جديد. بناء على ذلك، لا يجوز للمجتمع القائم على ثقافة دينية أن يتولى الثورة، بل دينك وحدك مثل الحب لا يلزم أحدا غيرك. أنا لست ضد الدين على الإطلاق، ولكن أنا ضد الدين الذي يُفرض على مجتمع بأكمله فرضا كاملا".

ورفض أدونيس في المقابلة أن يطلق عليه وصف "سياسي"، مشددا على أنه ينظر للسياسة "بوصفها جزءا من الثقافة. لكن هم كما يبدو ينظرون بنظرة معاكسة؛ إذ يعتبرون الثقافة جزءا أساسيا من السياسة وأنا ضد ذلك تماما. السياسة مسألة متغيرة، لا علاقة لها بالحقيقة، على عكس الثقافة والفكر، وما ليس له علاقة بالحقيقة فهو لايعبر عني. ولم أكن يوما ما سياسيا وأنا ضد الأدلجة"، على حد تعبيره.

الحسد والغيرة 

وعزا أدونيس الانتقادات الشديدة التي وجهت لمنحه الجائزة بالقول إنها "عادة عربية إجمالا، ويمكن تفسيرها كنوع من الحسد والغيرة، وبقايا ثقافة سحرية تبحث دائما عن كبش فداء". 

وفي تشخيصه للمشهد السوري قال: "أنا أستغرب مثلا مجرد النظر إلى المشكلة السورية على أنها مشكلة نظام فقط، وألّا يتم رؤيتها على أنها مشكلة ثقافية وحضارية وإنسانية. تغيير نظام ديكتاتوري بنظام ديني ثيوقراطي لا يحل المشكلة، بل على العكس يعقدها". 

وأضاف قائلا: "تمنيت من هؤلاء المعترضين ألا يخونوا مبادئ أو مفاهيم الثورة الحقيقة، وأن يطالبوا مثلا بعلمنة الدولة والمجتمع وبفصل الدين عن الدولة وتحرير المرأة من الشرع الديني وعدم اللجوء إلى العنف وخصوصا المسلح، وأن يطالبوا بعدم التبعية شبه المطلقة إلى أنظمة طاغية كالأنظمة السعودية والقطرية".

واستدرك أدونيس بالقول: "إنهم لم يعترضوا على تشريد شعب بأكمله كالأيزيديين، وهدم منازلهم وسبي النساء ووضعها في الأقفاص وبيعها كالبضائع وأن يحتجوا على ذبح البشر، ليس لأنهم موالون للنظام، بل لهويتهم الدينية. هذا ما كنت أتمنى أن يعترضوا عليه. لكن مع الأسف لم يصدر أي اعتراض رسمي على مثل هذه الأعمال الشنيعة والبشعة، التي تتم باسم الثورة حينا وباسم الله حينا آخر". 

وفي نهاية الحوار طالب أدونيس بإصدار بيان يطالب بعلمنة الدولة، وبتحرير المرأة من الشرع الديني، وبالاستقلال الثوري الكامل، وبعدم العنف وسوف أكون أول من أوقعه.

وأكد أنه كان "يجب على هؤلاء الثوار أن يكونوا في مستوى ثقافي يلائم البلد الذي اختاروا أن يلجأوا إليه، فرغم الجرائم التي ارتكبت في سوريا لم يصدر بيان رسمي من المسلمين يذنب هذه الجرائم، والصمت على هذه الجرائم من قبل المسلمين والمعارضة هو أخطر من الجريمة ذاتها".

من الجدير بالذكر أن الشاعر أدونيس استلم جائزة ريمارك للسلام في مدينة أوسنابروك رغم جدل إعلامي ألماني واسع، ونقد شديد وجهه إليه وإلى لجنة التحكيم كُتّاب ألمان ومعارضون سوريون.

وأدونيس ما هو إلا اسم مستعار واسمه الحقيقي علي أحمد سعيد إسبر، شاعر سوري ولد عام 1930 بقرية قصابين التابعة لمدينة جبلة في سوريا. تبنى اسم أدونيس (تيمنا بأسطورة أدونيس الفينيقية) الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية منذ العام 1948. متزوج من الأديبة خالدة سعيد.