كتاب عربي 21

العقل العدمي والعواقب الوخيمة

1300x600
تتطلع أنظار الليبيين بقلق وشغف انتظارا لأخبار سارة تأتي من صخيرات المغرب التي تشهد اجتماعات مكثفة وساخنة؛ لأجل تشكيل حكومة أزمة بعد أن رفض البرلمان حكومة الـ "32" وزيرا. غير أن أعضاء المجلس الرئاسي أخفقوا في التوصل إلى شيء ذي بال، عدا التوافق على أن يكون عدد حقائب الحكومة البديلة "12" حقيبة وزارية.

الخلافات على أشدها بين الأعضاء، وتشكل حقيبة الدفاع محور الجدل والسبب الأول في تأخير الاتفاق لأجل تسمية الوزراء، بل تطور الوضع إلى عراك بين الأعضاء ليرسل رسائل خيبة أمل وإحباط للرأي العام الليبي، الذي يبدو أنه بات مقتنعا أن نخبته المرشحة لإدارة المرحلة الجديدة من الانتقال، هي ربما أكثر  سوءا ممن تداولوا كرسي الحكم خلال الأعوام القليلة الماضية.

ويأبى النخبويون السياسيون الذين يتصدرون المشهد والموكل إليهم مصير الليبيين، إلا أن يثبتوا أنهم ينظرون تحت أقدامهم ولا يلقون بأبصارهم إلى الأفق الأعلى، ولو فعلوا لبدا لهم المشهد مغايرا، ولكانت مواقفهم مختلفة.

 لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنهم يقيسون الخيارات والبدائل المطروحة لتخطي الأزمة الراهنة بميزان مصالحهم الخاصة أو الجهوية أو الحزبية، ولو قاسوها بمسطرة الوطن وما يقاسي اليوم وما يمكن أن يقاسيه غدا في ظل مواقفهم المتعنتة وممارساتهم المخجلة، لتغير الحال ولانطلق موكب الإصلاح إلى الأمام.

فالقياس خاطئ وخلاصات المواقف خاطئة، ولا يقف الوضع عند أخطاء القياس والمواقف، بل يتعداها إلى طريقة التعبير التي تجاوزت كل المعقول والمقبول لتكون الوسيلة هي اللكم على الوجوه.

هذا ما وقع تماما في قاعة اجتماعات المجلس الرئاسي بالصخيرات في آخر جلساته، حيث أقدم أحد أعضاء المجلس على لَكْم عضو آخر على وجهه تعبيرا عن احتجاجه على معارضة العضو الثاني له، فما كان من العضو "الملكوم" إلا أن رد على غريمه بلكمتين أوقعتا الأول أرضا!!

مخز ومحزن أن ينزل أعضاء المجلس الرئاسي إلى هذا المستوى من السلوك. ففي حين تتطلع أنظار جُل الليبيين إليهم  انتظارا لفرج قريب ومخرج من الأزمة الراهنة، إذا برسائل المراسلين وشهادات الحضور تنقل لهم مشاهد السفه والحمق.

ما يزيد الطين بلة هو كيفية تلقي كثير من النشطاء لما وقع، ويبدو أن لكمات الصخيرات كانت ترجمة لتراشق أوسع جهوي حتى النخاع، فلقد هلل أنصار المعتدي لجرأة وحرص ممثلهم في المجلس الرئاسي، وكيف أنه "مستميت" إلى حد الاستعداد لتحويل قاعة الاجتماع إلى حلبة ملاكمة، فيما يصدح أنصار الثاني مستبشرين برده القوي الذي أطاح بخصمه أرضا؟!

وأستذكر هنا حادثة اعتداء ابن عمرو بن العاص على مواطن مصري زمن إمارة ابن العاص لمصر، وقول الخليفة عمر بن الخطاب للقبطي: "ضع السوط على رأس عمرو فوالله ما ضربك الابن إلا بسلطان أبيه". فساستنا يتعنتون ويلجأون إلى اللكم والركل ليس فقط ليشبعوا بفعلهم المخزي غرور شرائح -أقول بكل أسف إنها واسعة- اعتبرت اللكمات عملا ليس فقط رجوليا، بل وطنيا ومشرفا؛ فقد انتشرت صور كريكاتورية تمثل مشهد اللكم المتبادل يتناقلها أصحابها من باب الإعجاب.

أقول إنهم لا يشبعون فقط غرور أنصارهم بهذا الفعل المنكر، بل الأمر أكبر من ذلك، فمحل الاستشهاد في القصة هو أن العضو المتعنت الذي لجأ إلى استخدام العنف، إنما لجأ إلى ما لجأ إليه إعمالا للتفويض الممنوح له وإرضاء لمن رشحوه للمنصب، وهو يدرك أن سلوكه هذا سيستقبل بالترحاب والتهليل وسيخلده من يمدحون تصلبه ويثمنون تعنته.