بورتريه

"نابولعون".. رئيسا "متوقعا" للبنان بعد 35 محاولة فاشلة

ميشال عون
بعد 20 شهرا و35 محاولة فاشلة من قبل البرلمان للتوصل إلى اتفاق حول تحديد من يرأس لبنان في السنوات المقبلة، بات الأمر أقرب إلى الحسم النهائي.

وكالعادة، تحسم الأمور وراء الكواليس، وضمن صفقات "المناكفات" و"القبول والتمنع" و"نقل البندقية من الكتف إلى الكتف الأخرى".

في تاريخه السياسي والعسكري الطويل، لم يعمل سوى من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية بأي ثمن كان. 

فجأة، أصبح القائد السابق للجيش اللبناني الذي أدخل الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية مهتما بوثيقة الوفاق الوطني والمصالحة والبدء في مرحلة جديدة بعيدا عن "النكاية والمناكفة".

من الواضح أن سمير جعجع أراد من خلال تبنيه ترشيحه له خلط الأوراق السياسية في لبنان، الرد على سعد الحريري الذي عقد اتفاقا مع الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجية "صديق بشّار الأسد" الطامح إلى أن يكون رئيسا للجمهورية.

معتبرا أن ترشيحه لعدوه وخصمه اللدود هو "الخيار الوحيد أمامنا لمواجهة التسوية التي يسعى الحريري إلى تحقيقها".

بين 1988 و1990 دارت حروب دامية بينهما، ومعظم المسيحيين الذين هاجروا من لبنان، هاجروا بسبب تلك الحروب بين الأخوة الأعداء.

هل تغيّر شيء في ميشال عون في عام 2016، كي يصبح بالإمكان تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية من قبل جعج؟ الأكيد أن شيئا لم يتغير، كما أنه لا يمكن لشيء أن يتغير في الرجل. 

ففي الحرب حكم الساسة، وفي السلم حاول أمراء الحرب الأهلية اللبنانية استعادة ما أخذ منهم بالقوة، وحين هدأت المعارك دخل ساسة الحرب الأهلية، الذين هم بالأصل قادة المليشيا، البرلمان من أوسع أبوابه، واتفق الجميع في الطائف على المصالحة الوطنية.

الطائف لملمت شتات اللبنانيين، فجاء الجميع دون استثناء إلى المملكة العربية السعودية واتفقوا على إغلاق ملف الاقتتال، لكن العماد ميشيل عون قائد الجيش لم يرض بما أعلن في الطائف، فأعلن عن حكومة انتقالية في بيروت الشرقية، والعماد إميل لحود لم يرق له حال رفيق السلاح عون فانتقل إلى الغربية، ولإنهاء "تمرد عون" عين لحود قائدا للجيش فدعا الضباط والجنود إلى الالتحاق بالقيادة الشرعية للجيش وعدم الخوض في السياسة، وأذاب الطائفية والفئوية مقدما عليها الجندية.

عون كان حاضرا في الحرب وفي السلم، وتقلب على جمر المواقف المتناقضة مثل عدوه اللدود وليد جبنلاط، ونقل البندقية من كتف إلى آخر أكثر من مرة.

خصومه يتهمونه بعدم القدرة على التخطيط ويأخذون عليه شعوبيته ويعتبرونه متغطرسا ويلقبونه بسخرية "نابولعون". فيما يرى فيه أنصاره ديغولا جديدا (نسبة إلى الزعيم الفرنسي شارل ديغول) و"منقذا للبنان".

عون المولود في شباط/ فبراير 1935 في الضاحية الجنوبية ببلدة حارة حريك، شخصية مركبة ومعقدة، يبدو عصبيا ومنفعلا على الدوام، تطوع في السلك العسكري بصفة تلميذ ضابط عام 1955، وعمل في حرب حزيران/ يونيو عام 1967 ضمن فوج المدفعية الثالث المتمركز في الخريبة، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 كان قائد اللواء الثامن المرابط قرب قصر بعبدا. 

برز في عام 1983 على جبهة سوق الغرب، جنوب شرق بيروت، إذ خاض معارك عنيفة ضد المليشيا الدرزية بقيادة جنبلاط.

وتدرج في الترقية إلى أن وصل إلى رتبة عماد مع تعيينه قائدًا للجيش في تموز/ يوليو عام 1984.

في تلك الفترة كان عون مسكونا بالعداء للنظام السوري، فدخل في مواجهات دامية مع الجيش السوري في لبنان ثم مع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع.

كلف برئاسة الحكومة من قبل الرئيس أمين الجميل قبل عشر دقائق من انتهاء ولايته بعد أن تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأصبحت حكومة عون في مواجهة الحكومة المدنية التي كان يرأسها بالنيابة الرئيس سليم الحص.

هذا الوضع كان مريحا بالنسبة لعون، لذلك نجده يفقد قدرته على التحكم بمزاجه في آب/ أغسطس عام 1989 بعد أن تم التوصل بوساطة السعودية إلى اتفاق الطائف الذي كان بداية لإنهاء الحرب الأهلية، ولكن عون رفض الاتفاق بشقه الخارجي، لأنه يقضي بانتشار سوري على الأراضي اللبنانية ولا يحدد آلية لانسحابه من لبنان. 

ولم يتنازل عون عن رئاسة الحكومة الانتقالية رغم التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني وتنصيب الرئيس إلياس الهراوي رئيسا للبنان.

قام الجيش اللبناني بقيادة العماد إميل لحود وبمؤازرة الجيش السوري بقصف قصر بعبدا، فأرغم عون على الخروج من القصر بخطة أمنية فرنسية أشرف عليها السفير الفرنسي في بيروت بعد أن لجأ في تشرين الأول/ أكتوبر 1990 إلى السفارة الفرنسية في بيروت وبقي هناك لفترة من الزمن حتى سمح له بالتوجه إلى منفاه في فرنسا في أب/ أغسطس 1991.

عاد في أيار/ مايو 2005 من فرنسا التي قضى فيها 15 عاما، ليخوض معركة الانتخابات النيابية التي أجريت في الشهر ذاته، ودخل البرلمان بكتلة نيابية هي ثاني أكبر كتلة في البرلمان، متزعما "التيار الوطني الحر".

وفي العام التالي قام بالتوقيع على وثيقة تفاهم مع "حزب الله" وهو الذي كان قبل قليل يصف حزب الله بأنه "مليشيا طائفية".

وشارك عون في مؤتمر الدوحة الذي انتهى بالتوقيع على اتفاق الدوحة في أيار/ مايو 2008، و بعد توقيع الاتفاق شكلت حكومة وحدة وطنية تمثل كل الفئات اللبنانية وحصلت كتلته النيابية على خمس حقائب وزارية.

وتحسنت علاقته مع سوريا وأشيع أنه عاد من المنفى بصفقة مع سوريا وزار دمشق في كانون الأول/ ديسمبر عام 2008 والتقى مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد عداوة مريرة مع نظام الرئيس الأسبق حافظ الأسد.

عون الذي خاض ضد دمشق أعنف المعارك العسكرية والسياسية، وكان يسمي الوجود السوري في لبنان بـ"الاحتلال السوري للبنان" وجاهر بعلاقاته الوطيدة مع اللوبي اليهودي في أمريكا، و حضر شاهدا عيانا أمام لجان الكونغرس الأمريكي عشية إصدار قانون محاسبة سوريا، وكان من الصقور الذين تبنوا ذلك القانون بشراسة، يرفع الآن شعار المقاومة والممانعة.

انقلاب عون لم يشمل العلاقة مع دمشق و"حزب الله" فقط، وإنما امتد إلى ملفات أخرى، فبعد اتفاق الدوحة، أوعز عون إلى معاونيه أن يرفعوا اليافطات في الأشرفية والمناطق المسيحية الأخرى بعنوان: "استعادة حقوق المسيحيين". وفي عام 2013، يشن عون غاراته على القانون إياه تحت عنوان "قانون الستين (أي قانون الدوحة) يصادر حقوق المسيحيين".

عون سياسي ذكي استطاع استثمار علاقته بـ"حزب الله" ليعطل الاستحقاق الدستوري في اختيار رئيس الجمهورية، مما دفع أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله إلى إشعال المعركة السياسية، قائلا إن حليفه عون هو "المرشح الأفضل تمثيلا لانتخابات الرئاسة"، تلك الانتخابات المعطلة منذ أكثر عشرين شهرا.

لكن التسوية التي طرحها  سعد الحريري بعد لقاء سري جمعه بفرنجية في باريس، فرنجية - حفيد الرئيس الأسبق سليمان فرنجية ونجل الوزير والنائب طوني فرنجية الذي اغتيل في مجزرة اهدن بأيدي قوات حزب الكتائب اللبنانية (متورط فيها جعجع)، عجلت من انشقاق جعجع عن تحالف "قوى 14 آذار".

هذا الترشيح من قبل الحريري لم يحظى بمباركة بشار الأسد، الذي يرى أن "رئاسة الجمهورية اللبنانية لا يقررها الآن شخص أو جهة، إذ إن هناك محوران يتصارعان إقليميا ودوليا، ونتائج الصراع هي التي ستحدد امورا كثيرة منها الرئاسة المذكورة"، بحسب صحيفة "النهار" اللبنانية.

الأكيد أن ما خلصت إليها المفاوضات الرئاسية في الأسابيع الأخيرة هي نتيجة واحدة: خسر الحريري، حليفه جعجع بعدما كان قد خسر عون، وهو أصلا خاسر لـ"حزب الله"، ويزداد التشنج بينهما، لا سيما في ظل تدهور العلاقة السعودية ــ الإيرانية.

كل الإشارات تدل على أن مبادرة الحريري وتعويله على النائب سليمان فرنجية "صديق الأسد" للرئاسة ستفشل في ظل تمسك "حزب الله" والنظام السوري بعون، ومع تحالف عون وجعجع تبدو مبادرة الحريري ميالة الى الفشل.

لم يعلن عون ترشيحه رسميا بعد، ولا فرنجية، لكن وراء الكواليس فإن الأزمة السورية والتوتر الإيراني السعودي يلقيان بظلالهما على لبنان وبقوة، الأمر المؤكد هو أن درب عون الى قصر بعبدا قد يبدو معبدا وثمة بساط أحمر قد يمد قريبا.