كتاب عربي 21

لا تطلبوا من لبنان "الرسمي" فوق طاقته

1300x600
ليس دفاعا عن شخص جبران باسيل وزير خارجية لبنان ورئيس تيار عائلة عون الملقب بالتيار الوطني الحر، إلا أن موقفه الأخير الذي امتنع فيه باسم لبنان عن التصويت على القرار الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم الطاريئ الأحد الماضي في القاهرة، حول دعم السعودية في مواجهة إيران، هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن تتخذه الحكومة اللبنانية أيا كان رئيسها أو وزير خارجيتها في ظل الوضع الراهن. 

لبنان محكوم الآن بتوازنات غير متوازنة، الغلَبة فيها لحزب الله على صعيد القوة العسكرية والسيطرة الأمنية على الأرض، التي تتفوق على سلطة الدولة في كثير من الأحيان والنواحي. ولأن الأولوية هي حفظ الأمن والاستقرار، كما عبر عن ذلك بيان تشكيل حكومة تمام سلام، المحسوب على التيار الموالي للمملكة العربية السعودية قبل نحو سنتين، وأُطلق عليها لقب "حكومة المصلحة الوطنية" بحذف ألِف المصالحة، التي لا يمكن أن تتم بصورة صحية في ظل وجود سلاح حزب الله الثقيل في لبنان وعليه، فوضع للحكومة هدفا استراتيجيا، وهو منع تفشي بقعة الزيت والنار السورية إلى لبنان، الراقص أصلا على إيقاع الطائفية والمذهبية دون الدفّ السوري.

ما فعله حليف حزب الله وزير الخارجية هو أن ذهب إلى القاهرة ممثلا الحكومة ومنسقا مع رئيسها، للتضامن مع السعودية ضد الاعتداء الذي تعرضت له سفارتها وقنصليتها في إيران، ولم يذهب للتوقيع على بيان يصف حزب الله بالإرهابي بسبب ضلوعه في أعمال تخريبية داخل مملكة البحرين بحسب إشارة بيان الجامعة العربية، وهو توصيف لم يستطع باسيل سحبه من البيان بسبب إصرار نظيره البحريني عليه، فلم يعد أمامه سوى الاعتراض على البيان الذي يهدد قشرة الوحدة الوطنية، ويتهم أحد أبرز مكونات الحكم والحكومة بالإرهاب، وهو اتهام وإن كانت بعض قيادات الرابع عشر من آذار تردده بعدة أشكال بين الحين والآخر على المنابر، لكن الأمر يختلف حين يصبح توقيعا على وثيقة صادرة عن جامعة الدول العربية. 

لبنان يعتمد صوريا سياسة النأي بالنفس، فيما تنتهج مكونات أساسية فيه سياسة رهن النفس والأنفاس للخارج. لبنان يطلب من الدول العربية عدم إحراجه بزعزعة نسيجه الوطني وبالتالي استقراره، وفي الوقت ذاته يُتهم لبنانيون بزعزعة استقرار أكثر من بلد عربي هنا وهناك. لبنان يخشى الإنزلاق إلى الحروب المذهبية فيما يذهب ثلة من أبنائه بأرجلهم وأرواحهم إليها في الجوار. ذلك هو لبنان الخلطة الجديدة الفريدة، التي لا بد منها بإجماع الطباخين المحليين من قيادات اليمين واليسار والوسط.

طبيعي أن ينتقد مسؤولون عرب موقف وزير الخارجية الأخير، لكن من غير المقبول أن ينتقده مسؤولون لبنانيون وبعضهم فعل، علما أنه لو وُضِع أصلَب صقور وزراء تيار المستقبل مكانه لكان لزاما عليه اتخاذ الموقف ذاته، إذا كانت وظيفة الحكومة ما تزال قائمة، وهي حفظ الاستقرار وإبعاد شبح الحرب السنية الشيعية وفي ذلك كل المصلحة الوطنية. وهذا ما جاهر به رئيس كتلة نواب المستقبل فؤاد السنيورة، حين أكد استئناف جلسة جديدة من "ديوانية" الحوار بين المستقبل وحزب الله الاثنين القادم فقال: "... هناك اختلافات أساسية في ما بيننا نريد ألا تتحول إلى خلافات، وألا يكون نتيجةَ ذلك أيضا مزيد من الشقاق ... بما يوصل إلى استعمال لغة غير مقبولة قد تصل إلى العنف، وهذا أمر مرفوض منا كليا ولا نقبل به".

كلام السنيورة لا يبتعد أبدا عن كلام جبران باسيل الذي قلّما يتّسم خطابه بالبعد الوطني الجامع، لكن اليوم تُرفع له القبّعة بعد طول تنكيس، عسى أن نرفعها له باستمرار طالما أن المصلحة الوطنية هي الهدف.