مقالات مختارة

النفط القادم من الشرق

1300x600
بدأ التراجع الإيراني بشكل كبير في الأزمة التي حدثت بين إيران والسعودية، وأدركت ايران أنها ليست أزمة ثنائية يمكنها أن تستمر بالاشتباك فيها وقت ما تشاء، فالموقف الإيراني الأخير، ومطالبة روحاني بمحاسبة الذين اقتحموا السفارة السعودية، وما سبقه من محاولات دول عديدة دفعتها إيران للتوسط مع السعودية، كلها تأتي في سياق تجاوز إيران للخطوط الدولية الحمراء.

الأزمة الحالية بين إيران والسعودية لا علاقة لها بالملف السوري، وقيام العديد من الدول بالوساطة بقصد إعادة الأجواء بين البلدين إلى ما قبل الاعتداء على السفارة، كل هذا لا يعني أن الملف السوري سيكون حاضرا في المفاوضات، فهذه الأزمة بين البلدين هي مفتاح أزمة عالمية من نوع مختلف، تتعلق بالنفط وتتعلق باقتصاديات الدول العظمى.

هنا تبدأ القصة، فالعديد من الدراسات الاقتصادية تحدثت أن النفط الإيراني القادم إلى الأسواق بعد رفع الحصار عنه، سوف يؤدي إلى انهيار سريع في أسواق النفط العالمية، ما سيجعل برميل النفط يهوي إلى20  دولارا؛ حيث أشارت الدراسات إلى أن إيران استمرت بإنتاج النفط وتخزينه خلال سنوات الحصار، وهي الآن بعد تجهيز المنصات الحديثة سيكون لديها كميات هائلة من النفط، تسمح لها بإغراق الأسواق العالمية فيه، وهذا سيمنحها موقعا مميزا على الساحة العالمية، ولذلك تعاملت إيران بحالة من الاستعلائية مع السعودية، ظنا منها أنها باتت تمتلك مفاتيح الاقتصاد العالمي.

لم تدرك إيران ماذا يعني انخفاض أسعار النفط إلى ما دون الـ20 دولارا؛ لأن هذا لا يعني توجيه ضربة اقتصادية للسعودية وتقديم المنتج الإيراني بسعر أرخص، ولكن هذه الخطوة هي بمثابة زلزال أرادت إيران القيام به، لأن انخفاض أسعار النفط سوف يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية.

ملامح هذه الأزمة عمليا يمكن قراءتها بالصورة التالية: فالدول الصناعية الناشئة مثل الهند والصين، سوف تستفيد من انخفاض أسعار النفط، وسوف يؤدي ذلك إلى زيادة في إنتاجها الصناعي، ما سيؤدي إلى فائض في ميزانها التجاري، على حساب أمريكا  وأوروبا، وهذا سيؤدي لخسارة في الصادرات الأمريكية والأوروبية، وسيؤدي لاحقا إلى ارتفاع مستوى البطالة في أمريكا وأوروبا، ودخول أمريكا وأوروبا في مرحلة من الركود الاقتصادي، وانهيار في أسواق المال العالمية وهذا يعني أن العالم سوف يتوجه إلى أزمة اقتصادية كبيرة.

نلاحظ أن الصين التي تدرك مخاطر الركود الاقتصادي العالمي، لذلك بدأت بالوساطة بين إيران والسعودية، وهي عمليا ليست وساطة، وإنما رسائل واضحة لإيران، بأنها لا تستطيع أن تلعب في اقتصاديات دول العالم كما تشاء، وهو ما قرأته إيران سريعا بشكل عملي، وبدأت تعلن أنها ستحاكم من قاموا باقتحام السفارة السعودية.

سوف نلاحظ أن لغة التصعيد الإيرانية ضد السعودية ستبدأ بالتراجع، فالموقع الحقيقي لإيران بعيون الغرب، هو أن يبقى في العراق يقاتل مزيدا من الأشباح حتى يستنزف كامل قواه؛ لأن الدول العظمى غير معنية بولادة إمبراطورية جديدة كما تحلم إيران أن تكون، ولكن ما بعد هذه الخطوة، سوف يدرك الإيرانيون أنهم عاشوا حقبة طويلة من الأحلام، اصطدمت مؤخرا بمصالح الدول الكبرى.

(عن صحيفة صحيفة "ديريليش بوستاسيه" التركية)